news-details

عنف بوليسي مدفوع بالعنصرية

من حق كل مواطن أو مجموعة مواطنين تجمعهم روابط فكرية أو معتقدات من أي نوع، اتخاذ مواقف قيمية، قبولا أو رفضًا، أمام ما يدور في الحيّز العام. ويبقى السؤال متمحورا في شكل ممارسة الموقف، بحيث لا تتعدى قيمًا تستحيل بدونها حياة اجتماعية تُحفظ فيها الكرامة الانسانية، فرديا وجماعيا. ينطبق هذا على احترام المشاعر المختلفة ومنها الدينية، وعلى احترام حرية التعبير في الوقت نفسه. وحين يرى أي شخص تعارضًا بين الأمرين، فلا سبيل سوى الحوار والنقاش مهما احتدّ، بعيدا عن العنف والتخوين والإكراه والتكفير من جهة من يحتجّ، وبعيدا عن الاستعلاء وبلادة الحسّ من جهة من يُبدع ويعرض الابداع.

يأتي هذا في سياق احتجاج في حيفا على معرض فني، يقول صاحبه أنه قصد منه الاحتجاج ضد الرأسمالية وليس إهانة أية مقدّسات. إن كل مبدعة ومبدع يجدر به أن يأخذ بالاعتبار الردود والتبعات المترتبة على أعماله. هو وحده صاحب القرار، ومن يتحمل المسؤولية بالتوازي. يجب حفظ حقه الكامل وحريته التامة، مع بقاء مناقشته والاعتراض على طروحاته وإنتاجاته متاحة وواردة، بنفس قيمة وجوب حفظ حريته نفسه. هذا هو المبدأ الكفيل بالتوصل الى تفاهمات والى تسويات والى معادلات الاحترام المتبادل رغم الاختلافات والخلافات، بل مع الإبقاء عليها ضمن طيف التعدّدية المُثرية لكل مجتمع.

من هنا الموقف بوجوب السماح بمساحة تامة للاحتجاج والتعبير عن الرأي وعن مشاعر الغضب او الاهانة او الظلم، والدفاع عن هذا الحق وهذه المساحة، وهذا هو الواجب الملقى على عاتق السلطة. دورها ليس التحيّز الى هذه الجهة أو تلك، بل توفير الأرضية وجميع الشروط والظروف كي تُحفَظ الحريات والحقوق – وهو ما يتناقض تماما مع سلوك الشرطة العدواني العنيف في حيفا، إذ شمل اعتداءات جسدية وبالغاز وحتى استقدام الخيول (!) لمواجهة مظاهرة سلمية ومحدودة العدد نسبيًا. ولدينا كل الأسباب لنتهم مسؤولي الشرطة بالسلوك المدفوع بهوية المحتجين، أي بالعنصرية، خصوصا أن احتجاجات مشابهة مواطنين يهود تنتهي دون غاز ولا حوافر خيول ولا اعتقالات ولا اعتداءات عنيفة!

هناك أسباب كثيرة تستدعي الاحتجاج أكثر من معرض فردي لفنان أراد التعبير عن فكرة، حتى لو لم يتفق الشخص معه. إن استيلاء السلطة على ألوف دونمات الأراضي واستعمالها لغير خدمة ومصلحة أصحابها، كأراضي وعقارات الأوقاف، (لجميع الأديان بالمناسبة)، هي ما يستدعي التحرك والاحتجاج والنضال، لأن أثرها يقع على ألوف الأزواج التي تحتاج بيتًا ومدرسة وحضانة وناديا رياضيا وملعبا لأولادها، بينما هي محشورة في مواقع فقر مكتظة، على بعد مسافة قليلة جدا من أراضٍ تابعة لها كمجموع، لكنها لا تستفيد منها بالمرة.

 
 

أخبار ذات صلة