news-details

من هو دروكمان الذي ذهب اليه منصور عباس مدفوعًا من نتنياهو وغادره مفعمًا بالمشاعر والمعنويّات؟

"دار الاجتماع مع الحاخام دروكمان في أجواء طيّبة. لقد غادرته بمعنويات مرتفعة وبمشاعر أنه يمكن فتح أفق جديد – ولكن للأسف، أخذ السياسيون ذلك الى مكان مختلف تمامًا". كانت هذه خلاصة المقابلة التي أجرتها إذاعة الجيش "غالي تساهال" صباح الأربعاء 5/5 مع النائب منصور عباس، مثلما رفعتها على صفحتها في "تويتر".
الأجواء الطيبة التي أطلقت العنان لمشاعر هائلة لم تقلّ عن "فتح أفق جديد"، تطرح أحجية جديّة ولغزًا ملفوفًا بالغموض، لو تذكّرنا التالي:
"ممنوع الموافقة على التنازل عن أرض إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية. لا نملك أي تصريح بإعطاء أي شيء من بلادنا لآخرين، حتى لو لم يكونوا أعداء لدودين، حتى لو كانوا أصدقاء، أرض إسرائيل أعطيت لشعب إسرائيل، وهناك حظر توراتي، وفقًا للشريعة، على تقديم أجزاء من البلاد لآخرين". هذا القول الصارم تفضّل به الحاخام دروكمان في حزيران 2010 حين انطلق مجددًا جدل حول احتمالات مفاوضات وتسوية. (المصدر: موقع سروغيم).
لنضع جانبًا الآن كل شيء ونطرح السؤال البسيط: أيّ أفق تنفتح عليه وتطلّ هكذا رؤية متعصّبة منغلقة تتمسك بفوقية حصرية يهودية في هذه البلاد، وترفض أية شراكة سيادية ولا حتى مدنيّة متساوية مع أي أحد آخر "حتى لو لم يكونوا أعداء لدودين، حتى لو كانوا أصدقاء" (مثل منصور عباس؟ّ!) كما صاغها دروكمان حرفيًا؟
لنتفق أولا أنه سيكون كلّ شيء ما عدا "أفق جديد" كما حلُم به منصور عباس. هذا أفق يرفض أية تسوية مع الفلسطينيين، الشعب الذي ينتمي اليه منصور عباس، وأية سيادة له تحت سماء هذه البلاد، وأية شراكة معه أساسها المساواة والتكافؤ.


هذا أفق سيكون بالتالي مكتظًا بالجدران، جدران الفصل العنصري، والأسلاك الحديدية المدبّبة الشائكة، والحواجز العسكرية الثابتة و"الطيّارة"، وكتائب الجنود وجيبات المخابرات والآليات العسكرية المسلّحة المنيعة أمام الرصاص وأمام معاناة وألم المقموعين المدعوسين الفلسطينيين (شعب منصور عباس). هذا الكم من الحديد والفولاذ والسلاح والذخيرة والبارود والعنف والقسوة والبطش والاستعلاء والغطرسة والعنصرية والتوحّش، هو مشكلة جديّة سيتوجّب على منصور عباس حلّها كي تتمكن عيناه من الإطلالة على أي "أفق جديد".
في مقابلة أجراها معه موقع "واللا" (17 أيار 2011)  سئل دروكمان: هل ترى أملا في سلام مع الفلسطينيين، فأجاب: "كل ذلك التفكير بأن نعطي أجزاء من أرضنا لآخرين هو تفكير رهيب. لمن يتحدثون عن دولتين لشعبين أقول: الكثير من الدول للكثير من الشعوب، ولكن ليس هنا في أرض إسرائيل. أرض اسرائيل لم تُكتَب لشعب آخر. من يريد دولة أخرى، فها هي الدول العربية ثرّية وكبيرة، بأي حقّ تأخذون حصتنا الضئيلة؟".
ما هو الحل إذن للصراع؟ سألوه فقال:
"الحل في الواقع الراهن هو أن نكون أقوياء، وأن نقوي أنفسنا. اذا كانوا يكرهوننا فهل الحل هو ان نعطيهم جزءا من بلادنا، أهكذا سيحبوننا؟ سيواصلون كرهنا لأنهم يريدون كل أرض إسرائيل بما فيها القدس".
"لن تكون هناك دولة فلسطينية. تعالوا لا ندبّ الخوف في صفوف شعب إسرائيل (...) اذا قامت دولة فلسطينية فهذه ستكون كارثة. لكن شعب إسرائيل تغلّب على العديد من الكوارث وسيتغلب أيضا على هذه الكارثة".
فعلا فعلا أفق جديد ورحب.
الحقيقة مرّة، لا يمكن حجبها بحيل وخدع إعلامية مهما بلغت درجة بريقها، وهي كالتالي: لا أفق جديد ولا قديم، لا أفق بالمرة مع هكذا رؤى، مع من ينظر اليك على أنك في مرتبة إنسانية منخفضة، وينكر حقك بل ومجرّد شرعية وجودك في وطنك. يجب أن يكون المرء عديم الكرامة وذليلا كحشرة ممعوسة، حتى يرى كل هذا ويتجاهله خلال جلوسه عند من يحمل تلك العقيدة المنغلقة الصلدة الفاشية، بل يروح يتفوّه عن "أجواء طيّبة" و "معنويات مرتفعة"  و "مشاعر أنه يمكن فتح أفق جديد".
دروكمان كسائر حاخامات التيار القومي-الديني بحلّته الراهنة الأكثر فاشية وعنصرية، هو مصدر الهام ودعم ودفع وتشجيع لشتى العصابات والمجموعات التي تقتحم الحرم القدسي وباحات الأقصى بشكل تظاهري وموثّق ومصوّر ومسجّل – ليس لأن روح الايمان الصافية تدفعهم الى ما يعتقدون أنه فضاء مقدسًا لديهم (مؤكد أن هناك كهؤلاء) – بل تدفعهم روح الاستعلاء المتعصّب ونهم الهيمنة لتنظيم مارشات فاشيّة المنظر والمحضر تعبيرا عما قاله دروكمان أعلاه: هذه الأرض لنا فقط، ومصيركم الطرد، الفعلي أو الرمزي.
الحاخام الذي ملأ قلب منصور عباس بالمعنويات والمشاعر، كان من زعماء ما سُمي بالانقلاب في النظرة الدينية الى اقتحام الحرم المنظّم كفعل سيطرة. وكتبت عنه "يسرائيل هيوم" بفخر (تموز 2017) أنه احدى الشخصيات التوراتية الأهم في هذا الانقلاب، الذي يبارك علانية الصعود الى الحرم بل وقّع منشورات وبيانات تحثّ الجمهور عليه. إنه دروكمان نفسه، الذي تخصّص في التحريض على مؤسسة الأوقاف في الأقصى وعموم القدس. فاتهمها بـ"تدمير الآثار والمعالم اليهودية" في الحرم.


وحين كان دروكمان عضو كنيست بادر الى جلسة برلمانية خاصة (كانون الثاني 2002) تحت العنوان نفسه "تدمير الآثار في (هار هبايت)" أي في الحرم. وكرّر مزاعم "مواصلة الأعمال في (هار هبايت) من قبل الوقف الإسلامي والحركة الإسلامية الإسرائيلية دون أية رقابة"، وأن "الروح الحيّة خلف هذا النشاط الضخم في السنوات الأخيرة هو الشيخ رائد صلاح". هنا انضم اليه زميله في الحزب (المفدال) زفولون أورليف للتحريض فقال: "يجب الإشارة الى أن من يثير كل الشغب وكل الضرر هو الحركة الإسلامية الإسرائيلية (...) لماذا لا نتخذ إجراءات لصد اعمال التخريب التي تقوم بها الحركة الإسلامية بزعامة الشيخ رائد صلاح"؟.
أمقبول عليك هذا التحريض، النائب منصور عباس؟ يبدو أن الجواب ليس "لا". فها أنت تقيم الجسور للعلاقة بل الشراكة مع زعامة القوميين-الدينيين-الاستيطانيين، الذين لا يرونك بمستوى النظر المتكافئ، ولا بمنظار الابن الشرعي في هذه البلاد، ولا بمنظور من يجدر العيش معه بهذه التسوية أو تلك. بل أقصى ما يعطونك إياه هو مرتبة الرعايا، السكان المقيمين من الدرجة الثانية في دولة الأسياد اليهود وبلاد اليهود ووطن اليهود، كما ينظّر الفاشيّون. صدّقني أن جميع بهلوانيات التأثير وأوهام الإنجازات ستفقع في وجهك كبالون فارغ، عند اول صدام آتٍ لا محالة بسبب زيادة تعنّت وتبلّد وتعصّب وتوحّش هؤلاء الذين تسعى اليهم كعبد في حضرة سيّد متخففًا من المنطق والكرامة، للأسف. هذه ليست طريقا بلا رجعة، يمكن العودة عنها والعودة الى الرشد.

أخبار ذات صلة