news-details

أردوغان يقود تركيا الى الهاوية

 

 

صلاح دباجة

 

يحاول نظام الرئيس التركي، الطيب رجب أردوغان، التظاهر بمزيد من القوة والتأييد ومن خلال نزواته الكثيرة والخطيرة وكأنه مازال في موقع القوة وقادرا على التحرك والإمساك بزمام الأمور، لذلك نراه يرقص في جميع الأعراس ويتحدى بكل عنجهية وصفاقة حليفه القديم الامبريالية الامريكية وحلفاءه في حلف الناتو، وينبش المغامرات ضد هذا البلد او ذاك بما في ذلك العدوانية منها كما هو الحال في سوريا والعراق بإدعاء مبتذل، وقف التنظيمات "الإرهابية" عند حدّها!! وكأنه لا دخل لتركيا في تدفق عشرات ألوف الإرهابيين على سوريا!! وفي الوقت نفسه يعمد الى توثيق العلاقات مع روسيا والصين وإيران مبالغًا في أظهر الدور التركي الكبير في التأثير وبتبرير مختلق أن تركيا حلقة وصل بين الشرق والغرب ولها تأثيرها على دول المنطقة.

لم يتورع أردوغان عن تهديد حليفته الولايات المتحدة بأن البرلمان التركي قد يتخذ قرارًا بشأن الإبادة الجماعية للهنود الحمر في أثناء الاستعمار الأوروبي للأراضي الأمريكية، ردًا على اعتراف مجلس الشيوخ الأمريكي بالإبادة الجماعية للأرمن في الإمبراطورية العثمانية في عام 1915. وكذلك التهديد بإغلاق قاعدتين عسكرتين أمريكيتين في تركيا على خلفية التوترات والخلافات التي تشهدها العلاقات التركية – الأمريكية بعد شراء تركيا صواريخ "إس 400" الروسية، ودعم واشنطن لتنظيم "وحدات حماية الشعب" الكردية في سوريا وامتناع واشنطن عن تنفيذ صفقة مقاتلات "أف-35" التي ابرمتها مع تركيا.

والى جانب ذلك التهديدات التركية المتواصلة للدول الأوروبية بالسماح للمهاجرين السوريين للتوجه الى أوروبا وغمرها. بل وإطلاق العنان لإرهابي داعش. وأخر هذا التهديدات أعلنه أمس الأول بشأن إرسال المزيد من الطائرات المسيرة إلى قبرص التركية في ظل احتدام التوترات التي تشهدها المنطقة. وتهديده مؤخرًا اعتزام تركيا إرسال قوات إلى ليبيا وانه يتنظر دعوة رسمية من حكومة فايز السراج التي تسيطر على 6% من مساحة الدولة! وهذا ما يعكس نزوات النظام التركي وتمدده العدواني بفتح جبهة عسكرية جديدة في المنطقة هدفها حماية حكومة السراج، على الرغم مما ينطوي عليه هذا التطور من مخاطر إقليمية ودولية.

وعلى صعيد آخر تتفق تركيا وروسيا وإيران، الأسبوع الماضي- في ختام جولة جديدة من مباحثات أستانا حول الأزمة السورية- على ان أي تسوية للازمة هناك تشترط وحدة الأراضي السورية ورفض التطلعات الانفصالية. وهذا ما يتناقض مع الاحتلال التركي لأراض سورية في شمال شرق البلاد والموقف التركي العدائي من النظام الوطني في سوريا.

فتركيا بشراكة الولايات المتحدة مسؤولتان اساسيتان عن المأساة السورية ونفذتاها تحت شعار زائفٍ: "إشاعة الحرية للشعب هناك" على الرغم من ضخامة المآسي والويلات التي لحقت بهذا الشعب ومدنه واقتصاده والتي قد يستغرق التئامها سنوات طويلة. 

تجري كل هذه التطورات في ظروف تضعضع نفوذ الحزب الحاكم "العدالة والتنمية" (إخوان مسلمون) برئاسة أردوغان. ويتجلى هذا بشكل واضح بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز 2016 وما عقب ذلك من فرض حالة الطوارئ وحملة اعتقالات واسعة طالت عشرات ألوف المواطنين الاتراك من جميع فئات المجتمع من عسكريين بمختلف الرتب وقضاة ورؤساء بلديات ورجال علم وصحفيين وسياسيين ومدنيين إضافة الى عزل آلاف المسؤولين في مختلف المجالات من وظائفهم.  

وكل ذلك بتهمة دعم الانقلاب، الذي ادعى الرئيس التركي انه جاء بتوجه من المعارض غولن المقيم في الولايات المتحدة والذي كان حليف أردوغان السياسي منذ 2001 وحتى العام 2011.

كما أظهرت نتائج الانتخابات المحلية في نهاية آذار الماضي مزيدًا من تضعضع مكانة الحزب ونفوذه، اذ مني بخسارة كبيرة في العديد من المدن الكبيرة في البلاد وكانت هزيمته مزدوجة في إسطنبول اذ انهت 25 عاما من حكمه لأكبر مدينة تركية.

واليوم نشهد عملية تشظي حزب "العدالة والتنمية" الى أحزاب، ففي 16 الجاري أعلن أحد كبار قادة الحزب، داوود أغلو عن تأسيس حزب جديد وذكر بأنّ الهدف الرئيس للسياسة التي سينتهجها حزبه هو الحفاظ على شرف وكرامة الإنسان والارتقاء بهما، وكذلك ضمان سلامة الروح والمال، وضمان حريّة المعتقد والتعبير والانتقاد لدى المواطن. وانتقد أوغلو النظام الرئاسي الذي تمّ الانتقال إليه العام المنصرم، عبر استفتاء شعبي غير نزيه، قائلا: "في حال الاستمرار بالنظام الرئاسي ليس بالإمكان الحفاظ على نظام المجتمع الديمقراطي".

هذا ومن المنتظر ان يعلن قيادي آخر، علي باباجان، بعد انسحابه من حزب العدالة والتنمية، عن تأسيس حزب جديد في الأيام القليلة القادمة.

ويرافق الازمة السياسية في حزب العدالة والتنمية أزمة اقتصادية اجتماعية خانقة منذ العام الماضي حيث شهدت الليرة التركية انهيارًا كبيرًا وارتفعت نسب التضخم والبطالة ومعدلات إفلاس الشركات الى نسب غير مسبوقة. وتصاعدت نتيجتها حالات الانتحار الجماعي في تركيا بشكل كبير بسبب الضغوط الاقتصادية الشديدة، وفقدان الأمل في تحسن الأوضاع على المدى القصير مع الارتفاع الهائل في تكاليف الحياة والزيادات الجنونية في الأسعار، وبخاصة أسعار المواد الغذائية الرسمية.

وتشير بيانات رسمية إلى ارتفاع عدد طالبي المساعدات الاجتماعية في 2018 إلى نحو 3,5 ملايين مواطن، بنسبة زيادة 9,2% تقريبًا مقارنةً مع عام 2017. وانكمش الاقتصاد التركي بنسبة 3% في الربعين الأخيرين من العام الماضي ليدخل مرحلة الركود للمرة الأولى منذ عقد كامل!! ومعطيات العام الجاري تظهر استمرار هذا الانكماش. وكشفت المعطيات، أيضًا، عن مدى الديون المتراكمة على البلاد والتي تخطت حاجز الـ2,7 تريليون ليرة (نحو 475 مليار دولار).

وحسب معطيات رسمية في نيسان الماضي، فإن ثلث أطفال تركيا يعيشون في فقر، وان أكثر من 7 ملايين طفل يعيشون في فقر مدقع!! هذا في الوقت الذي صرف فيه أردوغان600 مليون دولار على بناء قصره الجديد والبالغة مساحته 200 ألف متر مربع. وهذا المبلغ ضعف ما كان مقدرًا!! كما صرف مبلغ 185مليون دولار على طائرة السلطان الجديدة!!

وفي مثل هذه الأوضاع المتدهورة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا في تركيا لا نستبعد ان تسعى الإدارة الامريكية ومعها حلف الناتو الى التخلص من أردوغان بعد كل أظهره من تمرد على أسياده وتقاربه من روسيا وشراء منظومة الدفاعات الجوية "أس-400" وعدم انصياعه لإملاءات الإدارة الامريكية فيما يتعلق بالعديد من القضايا الدولية وهذا يلتقي مع المساعي المحمومة لهذه القوى في إعادة بسط سيطرتها على المنطقة وقد يكون هذا درسًا لكل من يحاول التمرد مستقبلًا.

 

//ص

اردوغان - تظاهُر بمزيد من القوة والإمساك بزمام الأمور ورقص في جميع الأعراس! (رويترز)

أخبار ذات صلة