news-details

السلطان التركي يغامر بمصيره

خروج أهالي مدينة حلب الجارف الى شوارع المدينة، على مدار عدة أيام، هذا الأسبوع، احتفالا باستكمال تحرير مدينتهم وريفها من الإرهاب وبعودة الأمن والأمان لها وتصريحاتهم الارتجالية لوسائل الاعلام، التي عبروا فيها عن فرحتهم الكبيرة بانتصارات الجيش السوري على عصابات الإرهاب هو دليل واضح على كذب وسخافة ما يحاول ان يروج له ساسة ووسائل اعلام تركيا وحلفائهم في الغرب من دعاية تحريضية ضد سوريا وضد الجيش السوري وضد النظام الوطني هناك. وفي كل مرة تحاول هذه الدول تجنيد الأمم المتحدة لتبني موقفها في محاولة لإضفاء شيء من الشرعية على هذا الموقف.
فمثل هذا المشهد تكرر في العديد من المرات وخاصة عندما كان الجيش السوري يشارف على تحقيق انتصار ما على عصابات الإرهاب في أي منطقة من المناطق السورية التي كان يسيطر عليها. وكانت الدول الغربية تلفق الذرائع، وهي كثيرة، للتحريض على النظام السوري، وفي مقدمة هذه الذرائع: «التباكي على مصير المدنيين ونزوحهم» او «استخدام الجيش السوري السلاح الكيماوي» او «القصف الوحشي لسلاحي الطيران الروسي والسوري للمدن والبلدات السورية»!!
لكن على الرغم من كل هذا التحريض وما رافقه من اعتداءات تركية وغربية وإسرائيلية على سوريا تمكن الجيش السوري، بمؤزرة ودعم القوى الحليفة، من كنس الإرهاب عن معظم الأراضي السورية باستثناء منطقة إدلب، حيث تدور الان المعارك لتحريرها من قبضة الإرهابيين.
ويبدو أننا نشارف على مرحلة خطيرة على ضوء الاصرار السوري على تحرير كامل الأرض السورية من الإرهاب في مقابل التهديد التركي بشن العدوان على سوريا بدعم من امريكا وحلف الناتو في ظل عدم التوصل الى اتفاق مع روسيا يرضي الجانب التركي. خاصة وان الموقف الروسي يدعم حق سوريا في تحرير كامل أراضيها بعد ان أخفقت تركيا في تنفيذ التزاماتها بمنع الهجمات الإرهابية في مناطق التواجد التركي في سوريا، حسب اتفاق سوتشي الذي ينص على تخفيف حدة التوتر في مناطق النزاع وبعد المماطلة من الجانب التركي في الفصل بين المعارضة المعتدلة وبين عصابات الإرهاب في المناطق التي تتولى الاشراف عليها.
وتشرف تركيا، وفق اتفاق سوتشي، على 12 نقطة مراقبة في إدلب بهدف منع وقوع اعمال قتالية في هذه المناطق. الجيش السوري من جانبه التزم بهذا الاتفاق الا ان عصابات الإرهاب واصلت عملياتها الاجرامية ضد المدن وموقع الجيش على مدار أشهر دون أي محاولة ردع من الجانب التركي. وهذا ما اضطر الجيش السوري على استئناف عملياته العسكرية على مصادر الإرهاب والتي تكللت بالنجاح وإعادة الأمن الى مدينة حلب وربوعها ومطارها والتقدم في ريفها الغربي وصولا الى مناطق شاسعة في ادلب وسطرت على مساحة 600 كيلومتر مربع في ريفي حلب وإدلب وكذلك السيطرة التامة على الطريق الدولي حلب دمشق لأول مرة منذ العام 2012 وهو أطول الطرق في سوريا، على مسافة نحو 356 كيلومترا. كما تمكنت القوات السورية من محاصرة أربع نقاط مراقبة تركية وفرضت سيطرتها على محاور مواصلات رئيسية تربط المنطقة بمدن سورية مختلفة.
ولوقف هذا التقديم للجيش السوري هدد الرئيس التركي أردوغان، أنّ تركيا عازمة على إبعاد القوات الحكومية السورية خلف مواقع المراقبة التركية في ادلب نهاية شباط الحالي. وقال سنفعل كل ما يلزم بما في ذلك استخدام الوسائل البرية والجوية بمساعدة المعارضة المدعومة من تركيا، وسنضرب القوات الحكومية السورية في أي مكان لإخراج الجيش السوري من إدلب.
من جانبها حملت روسيا الجانب التركي المسؤولية عن تصعيد التوتر في منطقة إدلب، مؤكدة أن تركيا لم تلتزم بشكل مزمن بتعهداتها في إطار مذكرة سوتشي.
كما رفضت روسيا الأربعاء أن يتبنى مجلس الامن الدولي اعلانا يطالب بوقف العمليات القتالية في شمال غرب سوريا، بناء على اقتراح فرنسا. وأورد دبلوماسيون أن الاجتماع المغلق الذي أعقب جلسة علنية تخلله تبادل «شتائم» وتوتر حاد. ونقل أحد الدبلوماسيين أن روسيا انتقدت الغرب بشدة «لعدم تفهم الموقف الروسي». وذكرت المصادر نفسها أن الصين أيدت موسكو في موقفها.
وخلال الاجتماع العلني، طلب السفير الروسي لدى المنظمة الدولية فاسيلي نيبنزيا من الدول الغربية الكف «عن حماية المجموعات الإرهابية» و»اللجوء إلى ورقة معاناة» المدنيين «ما إن تتعرض مجموعات إرهابية للتهديد» في سوريا.
على الرغم من خطورة الوضع وعنجهية السلطان التركي وعدوانية من يدعمه في الغرب فان الجيش السوري، كما قال الرئيس بشار الأسد، سيواصل حربه ضد الإرهاب حتى تحرير اخر شبير من ارض الوطن. ويبدو ان ما نشهد اليوم من تهديد لا يعدو كونه تمثيلية درامية. خاصة وان اردوغان الذي يحاول التظاهر بانه ما زال ممسكا بزمام القوة وقادر على نبش المغامرات العدوانية في سوريا وفي العراق وفي المتوسط وفي ليبيا ويتحدى، بعنجهية السلطان، حتى حلفائه في الناتو، هو في وضع يرثى له على الصعيد الداخلي وكذلك حزبه الاخواني الذي يواصل التشظي أضافة الى تضعضع مكانة الاخوان المسلمين منطقيًا وعالميًا، الذي يعتبر نفسه أحد زعامتها في العالم. وإذ ما اضافنا الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد فأننا نتأكد من حقيقة ان كل هذه الخزعبلات ما هي الا محاولات للتغطية على هذه الازمة العميقة التي وصل اليها اردوغان وأغرق البلاد فيها.
وإصرار سوريا حكومة وجيشًا وشعبًا على كنس الإرهاب عن جميع الأراضي السورية وعدم تفريط روسيا بما حققته من مكاسب في سوريا وفي البحر المتوسط وكذلك إيران قد يكون أكثر ما يردع اردوغان عن مغامرة خسارة وفاشلة تزيد من ضعضعة أوضاعه الداخلية وتعمق الازمة الاقتصادية في البلاد، خاصة وان روسيا وإيران شريكان اقتصاديان كبيران لتركيا. إضافة الى ذلك ان اردوغان يعي حقيقة ان دعم إدارة ترامب، الذي يستعد لانتخابات الرئاسة لجولة ثانية، له في عدوانه على سوريا سيقتصر على مجرد الدعم المعنوي. خاصة وان هذه الإدارة، التي تسعى محمومة لإعادة فرض سيطرتها المطلقة على المنطقة، واجهت بغضب شديد تمرد اردوغان وعدم انصياعه لإرادتها فيما يتعلق بشراء منظومة الدفاعات الجوية الروسية «أس400» وفي تقاربه من روسيا وإيران ومع افول الدور المؤثر للإخوان المسلمين في المنطقة وعالميًا يبدو ان اردوغان أصبح حجرة عثرة امام المخططات الامريكية في المنطقة ويبدو ان هذه الإدارة تخطط لإطاحة به. وربما هو على درية من ذلك.

أخبار ذات صلة