news-details

العدوان التركي على سوريا مصلحة أمريكية

 

 

صلاح دباجة

 

العدوان التركي على الأراضي السورية مرتبط بما تخطط له الإدارة الامريكية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) لسوريا والمنطقة، لان ما يستهدفه يتطابق تماما مع السياسة الامبريالية لاستمرار فرض هيمنتها على المنطقة، على الرغم من محاولات ترامب البائسة إظهار وكأن الولايات المتحدة لا تريد مواصلة لعب دور الشرطي في العالم وأنها لا تريد الدخول في حروب جديدة حول العالم تهدد حياة الجنود الأمريكيين.

التصريحات الاستهلاكية لترامب والمسؤولين الاخرين في إدارته المطالبة بوقف العدوان التركي وفرض عقوبات أمريكية على وزارتي الحربية والطاقة وعلى ثلاثة وزراء اتراك، إضافة الى زيادة الرسوم الجمركية على استيراد الحديد التركي، وكذلك موقف الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو المندد بالعدوان، ما هي الا تمويه على الموقف الحقيقي. فالتنديد الأمريكي وكذلك الأوروبي لا يعني رفض العدوان ومثل هذا التنديد خبرناه على مدى سنوات طويلة من الزحف الواسع للاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية!!

فالعدوان التركي بدأ بعد ان أعلن ترامب عن سحب القوات الامريكية من مناطق سيطرتها مع "قوات سوريا الدمقراطية" (قسد) في منطقة شمال شرق سوريا، بادعاء عدم الاصطدام مع القوات التركية. ويبدو ان هذا الانسحاب تم بالتوافق بين الطرفين. وعندما نقول بالتوافق فانه من المؤكد انه تم بحث تفاصيل هذا العدوان واهدافه وغنيمة كل طرف من الأطراف. فترامب، الذي سبق وأعلن بصراحة، أكثر من مرة، انه لن يسمح بوقوع خسائر في صفوف القوات المسلحة الامريكية دفاعًا عن سيادة أي دولة في العالم بدون مقابل، استغل اندفاع الرئيس التركي للعدوان لتنفيذ ما تخطط له إدارته دون اية تكاليف، ضاربًا عرض الحائط مصلحة حلفاء الامس الذين حاربوا تحت العلم الأمريكي من "قوات سوريا الديمقراطية"!!

فاوردغان الذي تراجع بعد معركة حلب نحو مسار أستانة وخسر وعوده بتأمين نفوذ تركي في مستقبل سوريا واضطر للموافقة على صيغة سورية حكومية للجنة الدستورية، واضطر للموافقة على فتح طريق حلب - حماة وحلب - اللاذقية أمام الجيش السوري. وخسر انتخابات بلدية إسطنبول وخسر نصف حزبه وزعامته باتت على كف عفريت، عليه تحقيق إنجاز كبير لاستعادة امجاده، وكل ذلك في ظل أوضاع اقتصادية تزداد سوءًا، وتعتمد بصورة رئيسية على التجارة مع إيران والسياحة الروسية، إضافة للصادرات الزراعية الى روسيا، ورهان أردوغان على النصر في هذا العدوان قد يتيح له وقف هذا التراجع واستعادة مسار الصعود والتألق.

ومن غير المستبعد ان الإدارة الامريكية وكذلك حلف الناتو والاتحاد الأوروبي يريدون التخلص من اوردغان بعد تجاوزه الحدود في التقارب من روسيا وشراء منظومة "اس 400"، وعدم انصياعه لأوامر إدارة ترامب فيما يتعلق بالعديد من القضايا الدولية وان هذا يلتقي مع سعي هذه القوى للقضاء على ما انجزه الجيش السوري والقوات المتحالفة معه من انتصارات على طريق دحر الإرهاب وتحرير معظم الأراضي السورية والعودة الى المربع الأول من الحرب الكونية على سوريا. وقد نجد دليلا على ذلك فيما كشفته مجلة "نيوزويك" الاثنين الماضي، عن أن القوات الأمريكية في منبج سلمت العسكريين الروس مدينة منبج. وكانت وكالة الأنباء السورية "سانا" قد أفادت، في اليوم ذاته، بأن وحدات من الجيش السوري دخلت مدينة منبج، بناء على اتفاق توصلت إليه القيادة الكردية مع روسيا والحكومة السورية يقضي بدخول الجيش السوري ترافقه الشرطة العسكرية الروسية إلى مدينتي عين العرب ومنبج.

حاول اوردغان تبرير هذا العدوان بالادعاء ان لتركيا الحق في الدفاع عن نفسها في مواجهة المسلحين الأكراد إضافة الى الخطر الآتي من ملايين اللاجئين السوريين في الأراضي التركية. لا أحد يسلب حق تركيا في الدفاع عن حدودها لكن هذا التبرير زائف فتركيا التي سمحت بدخول عشرات ألوف الإرهابيين ودربتهم على أراضيها وسمحت بإدخال هذه الكميات الكبيرة من الأسلحة للإرهابيين قبل ان يكون هناك أي تهديد للسيادة التركية وقبل ان يكون هناك نازحون سوريون فهي في مثل هذه الحال شريكة في العدوان على سوريا.

اعلان اوردغان عن إنشاء منطقة آمنة في الأراضي السورية بطول 444 كم من الغرب إلى الشرق وبعمق 32 كم من الشمال إلى الجنوب ما هو الا نقض للقرارات الأممية بشأن سوريا والتفاف على مقررات أسيتانة وسوتشي، التي اتخذت بموافقة الدول الضامنة بضمنها تركيا، وتؤكد على وحدة الأراضي السورية في أي تسوية للأوضاع هناك.

وإطلاق الجيش التركي، على عدوانه أسم عملية "نبع السلام" ما هو الا تضليل سافر فهذه الحملة العدوانية كما وصفها زعيم القبارصة الاتراك وأقرب المقربين لاوردغان:"هناك دماء تهرق وليس مياها"!! فالمنطقة الأمنية التي يتحدث عنها اوردغان هي من اغنى المناطق السورية بالنفط وينابيع المياه فبدل ان يجري تهريب النفط في انابيب في باطن الأرض تخترق الحدود التركية لمصلحة المجموعات الإرهابية التي تراعها تركيا والمجموعات الإرهابية التي كانت في تحالف مع القوات الامريكية تقوم تركيا بشكل مباشر بالسيطرة على هذه الثروة وحرمان المجموعات الكردية وغيرها من الإرهابيين من الاستفادة من هذه الثروة.

لذلك دفعت تركيا في التاسع من الشهر الجاري بـ 80 ألف جندي، بضمنهم سوريون يصنفون أنفسهم بـ "المعارضة"، (ويطلقون على أنفسهم أسم "الجيش السوري الحر") مع أسلحة متطورة مثل دبابات ليوبارت الالمانية، ودبابات فرتينا التركية، كذلك الدبابات التي تحمل مدفعية ثقيلة وبعيدة المدى وتستطيع التنقل بسهولة لنقل المدافع من مناطق الى اخرى، إضافة الى طائرات "اف 16". كما ادخلت تركيا الدبابات الامريكية المحصنة وتستعملها بعنف، اذ تقصف بمعدل 4 قذائف في الدقيقة.

اما قسد، الذين رفعوا الأعلام الأميركية متباهين بتبعيتهم لواشنطن، وفضلوا هوية "الكانتون" الذي اقاموه على هويتهم الوطنية السورية، فسارعوا، بعد غدر أمريكا بهم، الى ابرام اتفاق مع الحكومة السورية لانتشار الجيش على الحدود الشمالية لمنع تقدم قوات الغزو التركي. ويبدو ان الجيش السوري والقوات الروسية نجحا في الانتشار السريع في المناطق التي كانت تسيطر عليها القوات الامريكية. الامر الذي قد يعيق تقدم القوات التركية في هذه المناطق ويزيد من خطورة هذا العدوان الذي قد يتطور الى مواجهة مباشرة بين قوى العدوان والجيش السوري الذي يدافع عن حدود الوطن بدعم من القوات الحليفة حزب الله وروسيا وان مثل هذه المواجهة تنذر بأخطار كبيرة ومن غير المستبعد ان تلجأ تركيا الى الاستعانة بالمجموعات الإرهابية وأبرزها جبهة النصرة المرابطة في ادلب لمواجهة الجيش السوري وحلفائه ولتنفيذ عمليات إجرامية في مختلف المناطق السورية.

وهذا ما حمل نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف على التحذير من وقوع اشتباكات بين الجيشين التركي والسوري، مشيرا إلى استمرار الاتصالات لتفادي ذلك. وكانت موسكو أكدت، الثلاثاء الماضي، وجود اتصالات بين السلطات الروسية والتركية، تشمل عسكريي البلدين كذلك، لمنع وقوع أي مواجهة عسكرية بين روسيا وتركيا في سوريا.

 

//ص

مدينة منبج السورية (رويترز)

أخبار ذات صلة