news-details

جرائم حرب "واحة الديمقراطية"!!

 

طال انتظار الفلسطينيين عقودًا طويلة لقرار محكمة الجنايات الدولية فتح تحقيق بشبهات تنفيذ إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، في غزة والضفة والقدس. واستقبل الفلسطينيون القرار بالترحاب والفرح باعتباره خطوة تاريخية على طريق رفع الحصانة عن إسرائيل والتحقيق في جرائمها المتواصلة والمتصاعدة منذ نكبة شعبنا في العام 1948 وحتى يومنا هذا. وطالبت الفصائل الفلسطينية باعتماد خطة وطنية شاملة لمتابعة تنفيذ القرار ومواجهة أية محاولات للالتفاف عليه وإجهاضه، محذرة من ان يكون مصيره كمصير فتوى لاهاي بشأن عدم شرعية وقانونية جدار الفصل العنصري وضرورة هدمه وتعويض كل المتضررين، قبل أكثر من 15 عامًا.

وكانت المدعية العامة للجنايات الدولية، فاتو بنسودا قالت، في بيان لها يوم الجمعة الماضي، أن المحكمة ستفتح تحقيقا كاملا في الأراضي الفلسطينية، وتركز على "مزاعم" ارتكاب جرائم حرب في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. وأضافت: "أعرب عن ارتياحي إزاء وجود أساس معقول لمواصلة التحقيق في الوضع في فلسطين". وتابعت: "لدي قناعة أن هناك جرائم حرب قد ارتكبت أو ما زالت ترتكب في الضفة الغربية بما يشمل القدس الشرقية وفي قطاع غزة".

والتعقيب الهستيري لرئيس حكومة اليمين الاستيطاني المؤقتة، بنيامين نتنياهو، على هذا القرار بالقول: "هذا يوم أسود للحقيقة والعدالة- يحولون محكمة العدل الدولية إلى "سلاح سياسي" موجه ضد إسرائيل"، يعكس الكثير من الإحباط والسخط والهلع في إسرائيل وبشكل خاص في أوساط المسؤولين في جميع أجهزة الدولة الذين نفذوا الجرائم على مدار عشرات السنين ضد شعبنا الفلسطيني، توهموا انهم لم يصلوا الى مثل هذا اليوم. نتنياهو لم يتعرض للمضمون الخطير لقرار الجنائية الدولية ولم ينف التهم الموجهة لإسرائيل بل، كعادته، شن هجومًا تضليليًا مثيرًا للشفقة على المدعية العامة واصفًا قرارها بالمعادي للسامية. وكما يقول المثل الشعبي: "الزعيق على قد الوجع"

فهذا القرار جاء لينسف من الأساس كل ما كان يتغنى به نتنياهو من شعارات مضللة مثل "إسرائيل واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"!! وان "الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية في العالم"!! للتمويه على ما تقترفه إسرائيل من جرائم وموبقات ضد الفلسطينيين!!

امّا المستشار القضائي للحكومة افيحاي مندلبليت فسارع الى نشر فتوى قضائية عاجلة، في صلبها الادعاء بأنه ليس للمحكمة صلاحيات مطلقا للبحث في الموضوع كون اسرائيل ليست عضوا في الجنائية الدولية من جهة، والادعاء بانَّ فلسطين ليست دولة حقيقية وبالتالي ليس لدى المحكمة الصلاحيات القضائية الجنائية اللازمة بشكل مطلق. وتجنب هو أيضًا نفي الاتهامات الموجه لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ولم يأخذ في الاعتبار ان فلسطين عضو مراقب في الأمم المتحدة منذ العام 2012 وأنها عضو كامل الحقوق في المحكمة الجنائية الدولية وان الأراضي الفلسطينية تحت السيادة الفلسطينية في ظل الاحتلال غير الشرعي لهذه الأراضي وفقًا لجميع القرارات الدولية. كما ان الشعب الفلسطيني يحظى بتأييد الأكثرية الساحقة من دول العالم ففي التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأربعاء الأسبوع الماضي، ايدت 167 دولة قرار حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وعارضته خمس دول هي إسرائيل والولايات المتحدة وناورو وميكرونيزيا وجزر مارشال.

ويبدو ان الخطة الإسرائيلية لمواجهة هذا القرار تعتمد على فتوى مندلبليت وهي بدل قصارى الجهود في محاولة لإقناع القضاة في لاهاي بأن المحكمة ليس لها صلاحية واختصاص، وبالتالي إغلاق القضية، كما أنه من المتوقع أن تحاول الولايات المتحدة، التي تعارض بحزم تحقيقا للجنائية الدولية في جرائم حرب إسرائيلية، ودول أخرى إحداث تأثير على سير التحقيقات. كذلك استغلال نشاط الحركات الصهيونية وأدواتها المنتشرة في كل العالم، والتي تمتلك إمكانات كبيرة وسطوة ونفوذ لإسكات كل صوت يخالف سياسة إسرائيل العنصرية والعدوانية. وهنا لا بد من التذكير بتقرير غولدستون حول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008 الذي اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وانتهاكها القانون الإنساني والدولي، وكيف أن نتنياهو اياه طالب الأمم المتحدة آنذاك بإلغاء التقرير، وكيف أن غولدستون (اليهودي الأسترالي) تعرض لانتقادات حادة واتهم بمعاداة السامية، واضطر فيما بعد إلى التراجع في قسم من تقريره بحجة اكتشافه معلومات لم يكن يعرفها عند كتابة التقرير هذا بعد ان تبنى مجلس حقوق الانسان التقرير!!

يبدو ان إسرائيل لاتزال تمتلك وسائل الضغط والتأثير، خاصة وأنها في خضم معركة مصيرية بالنسبة لها ولهذا بالذات فرضت حكومة نتنياهو السرية الكاملة على كل التحركات الإسرائيلية في هذا المجال. وهذا ما قد يفسر قرر نتنياهو تجميد إجراءات ضم غور الأردن والأغوار الشمالية الفلسطينية، والغاء الجلسة الاولى للطاقم متعدد الوزارات الذي هدف لفرض ما يسمى بـ"السيادة الاسرائيلية" على الأغوار، التي كان يفترض أن تتم الأسبوع المنصرم.

وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الثلاثاء الماضي بأن الخطة لفرض ما يسمى بالسيادة الاسرائيلية على الأغوار قد جمّدت بهدف الامتناع عن مواجهة مع محكمة الجنايات الدولية وعدم تصعيد التوتر بين الطرفين. خصوصًا عقب قرار المدعية العامة فاتو بنسودا بأن "اسرائيل لم تكتفِ بوقف نشاطها العمراني في الضفة الغربية فحسب، بل تسعى لضم قسم من الأراضي". كما ذكّرت بنسودا بوعد نتنياهو الانتخابي بفرض ما يسمى بـ"السيادة الإسرائيلية" على أراضي غور الأردن والضفة الغربية المحتلة.

ويصب في هذا الاتجاه أيضًا تصريح وزير الخارجية، يسرائيل كاتس، الأحد الماضي، بأن الدولة ستمتنع عن اخلاء وتهجير قرية الخان الأحمر شمال القدس، خشية من أن يلاحق جنودها وقادتها في المحكمة الجنائية الدولية. هذه تحركات غير مسبوقة لحكومة نتنياهو ولا تعكس نزعة نحو أي تغيير جذري في سياسة التوسع والهيمنة الإسرائيلية وانما هدفها ابتزاز المحكمة الدولية ومنع وقوع زلزال سياسي يشمل إجراء تحقيقات وإصدار أوامر اعتقال ضد كبار المسؤولين في الدولة الحاليين والسابقين. وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" كشفت عن ان قائمة المطلوبين للتحقيقات الدولية، ستشمل قادة أركان سابقين، ووزراء أمن، ورؤساء الشاباك، وقادة ألوية في الجيش، ورؤساء مجالس المستوطنات. وأن التحقيقات لن تقتصر على أحداث الحرب الأخيرة على غزة، بل على قيام الجنود الإسرائيليين بقتل الفلسطينيين بالضفة، والمتظاهرين على حدود غزة وجرائم المستوطنين.

وحذرت وسائل الاعلام الإسرائيلية من إن شبح الاعتقال سيتهدد المسؤولين الإسرائيليين من عسكريين وسياسيين اذا سافروا إلى أكثر من 100 دولة حول العالم، بسبب جرائمهم التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني. وكتب أحد المحللين السياسيين الإسرائيليين انه "عندما يخاف الوزراء والضباط من السفر الى الخارج فان سلاح الجو سيفكر مرتين قبل ان يقصف أكواخ الصفيح في غزة ويقتل من يسكنون فيها".

 

///ص

المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية، فاتو بنسودا

أخبار ذات صلة