news-details

نصيحة لوجه الله

ليس صحيحا أن المشكلة الأساسية هي على ما وصفتموه بالـ"اللباس الفاضح" لفرقة الرقص المعاصر التي شاركت في عرض توقيع ديوان شعر مروان مخول الجديد، الذي عرض على خشبة مسرح محمود درويش في عرابة يوم الجمعة الماضي.

فنشطاء الحركة الإسلامية الشمالية قاطعوا باستمرار الغناء الوطني الملتزم عندما أنشدته امرأة في أي نشاط وطني سياسي قطري جامع، ومسيرات العودة خير دليل، عندما وثّقت كاميرات وسائل الإعلام، قيام العشرات من الإسلاميين الذين جلسوا خصّيصا في الصفّ الأول، كي يبرزوا جليّا للجميع عند مغادرتهم بشكل احتجاجي، لمجرّد أن فنانة، ترتدي لباسا فلسطينيا، "لا يخدش الحياء" وفق المصطلحات المخزية المستخدمة في قاموس ثقافة غير دارجة بيننا، وكانت الحجة حينها "صوت المرأة عورة".

إذا، المشكلة غير متعلقة باللباس. المشكلة تعود الى محاربة الفنّ، ومحاولة الإقصاء على أساس جندري، وللدقة أكثر، المشكلة هي الفنّ بحدّ ذاته، لأن الحجة التي كانت في عرّابة أن اللباس "فاضح"، كانت مختلفة عندما مورست الضغوط لإلغاء حفل فنّي للفنان تامر نفّار في أم الفحم، وبعدها كابول.

لكنّ خازوق الردّ الذي جاء على لسان رئيس بلدية عرابة، حينما قال إن من يحمل آلة موسيقية لن يحمل آلة حادة، وأن من يمارس الرياضة لن يمارس العنف، إنما هو ردّ واضح على أن للثقافة والفن مكانا ومكانة في عرابة، التي اعتادت على حرية التعبير، والتعدد الفكري كما السياسي والثقافي والديني وغيره. وهذا الموقف التقدّمي هو نموذج للأهداف التي تخوض فيها الجبهة الديمقراطية الانتخابات البلدية، ويستحق التقدير.

ولكن قبل ذلك كلّه، لماذا علينا بالأساس أن نبرر إحياء أمسية فنية؟ بل علينا أن نسأل بجرأة، من أين تُستمد الشرعية أن يَحكُمَ شخص ما على أن هذا اللباس فاضح، أو أن هذا العرض غير لائق؟ من منحهم هذا الحقّ؟ هم أنفسهم لم يشاركوا، ولا يشاركون في أي احتفال فنّي، ولا يعرفون اللباس الذي كان على خشبة المسرح، بل، وبغض النظر عن اللباس الذي كان، من يمنحهم الحقّ في أن يصفوا هذا اللباس أو غيره بأنه خادش للحياء؟ أو فاضح؟

فيما انشغل منبر ما، للتحريض على أمسية فنّية، فقد شارك فيها المئات، الذين أنصتوا لإلقاء الشعر، على وقع الموسيقى والرقص المرافق له، خرجوا بانطباع قوي وبإعجاب كبير لقصائد مختارة ألقاها الشاعر الفلسطيني مروان مخول، ما يؤكد أن مثل هذه التهجمات هي مرفوضة وغير مقبولة على أهلنا.

في الحقيقة، هنالك عشرات، بل ومئات القضايا التي تؤرّق أهلنا، على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وغيرها. هذه القضايا التي تحتاج الى تظافر جهود جميع القوى من أجل العمل على حلّها، أو التصدّي للآفات المختلفة، يجب أن تلفت انتباهكم، أو أن تولوها أهمية ومكانة، أفضل من البحث عن مواضيع هامشية تحاولون من خلالها خلق قضيّة تهدف الى فرض استعراضٍ للقوة، فكرية كانت أم جسدية! فنصيحتي لكم لوجه الله تعالى، أن دعونا نتوحّد على القضايا الحارقة التي تؤرقنا، وفي قضايا أخرى أعطوا الخبز لخبّازة كما يقول المثل العربي، وعندها، خير الخطائين التوّابون، ولا أقصد الفنانين والفنانات...

أخبار ذات صلة