news-details

تقرير جديد لجمعية أطباء لحقوق الإنسان يكشف: إخفاق سلطة السّجون .. قصور خطير في الرعاية الطبّيّة المقدّمة للسجناء

 *التّقرير يكشف عن تجاهل سلطة السّجون لتوصيات مكتب مراقب الدولة القاضية بتحسين الجهاز الصحّي؛ أطبّاء لحقوق الإنسان تصرّح : " يجب نقل المسؤولية عن الجهاز الصحّي من سلطة السّجون إلى وزارة الصّحّة"*

 

"انتظار الطبّيب لوقت طويل، تجاهل توصيات الأطبّاء المختصّين، معالجة قاصرة للسجناء الذين يعانون من أمراض مزمنة، ومن ضمن هؤلاء، حاملون لمرض فقدان المناعة المكتسبة HIV والتهاب الكبد C، وانعدام النّجاعة الاقتصادية. كل ما سبق ليس سوى جزء من الاستنتاجات التي خلص إليها تقرير جديد تنشره حول الجهاز الصحّيّ التابع لسلطة السّجون العامة" – هذا ما جاء في التّقرير الجديد لجمعية أطباء لحقوق الإنسان الصادر تحت عنوان "مريض حتى استنفاد الإجراءات"، حيث كشف عن سلسلة طويلة من الإخفاقات في تقديم العلاج الطبّي للسجناء في السّجون الإسرائيلية، وأشار إلى أن مستوى الخدمات الصحّيّة لدى سلطة السّجون منخفض ولا يتسق مع المعايير المهنية والأخلاقية المقبولة في الجهاز الصحّيّ العام. وقد أكّدت عملية فحص الملفّات هذه الظواهر المستقاة من مئات التوجهات التي تلقتها الجمعية من سجناء على مدار السنوات الماضية.

 تقول الجمعية: تستند الاستنتاجات التي خلص إليها التّقرير إلى المعرفة التراكمية المستمدّة من معالجة أكثر من 3000 شكوى من قبل سجناء، كانت جمعية أطباء لحقوق الإنسان قد تعاملت معها على مدار السنوات الأخيرة. كما تستند الاستنتاجات أيضًا إلى مراجعة طبّية أجراها 23 متطوعا في الجمعية لفحص 32 ملفّا طبّيا تعود لسجناء يعانون من أمراض مزمنة (ارتفاع ضغط الدم، القلب، الربو، والسكري)، حيث طولبوا بالتعبير عن رأيهم بمستوى الاستجابة الطبّية التي حصل عليها المسجونين.

 

**الإخفاقات مجال تقديم الرعاية الصحّيّة للمسجونين

●        أوقات طويلة جدا لانتظار للحجوزات لدى الأطباء: يحدد التّقرير أن أوقات انتظار المسجونين للخضوع للعلاجات الطبّية تعدّ طويلة بشكل متطرف، وهي تتجاوز بكثير ما هو متعارف عليه في الجهاز الصحّيّ العام. وإلى جانب ذلك، تنتشر لدى سلطة السّجون ظاهرةٌ تتمثل في إلغاء الحجوزات الطبّية للسجناء في اللحظة الأخيرة. وبحسب التّقرير فإن الداعي لذلك يتمثل في نقص الأيدي العاملة لدى سلطة السّجون، مما يتسبب في انعدام وجود من يرافق السجناء لكي يخضعوا للعلاج خارج السّجون. ويلاقي هذا الادعاء إسنادًا في استخلاصات عملية فحص ملفّات السجناء، التي قام بها الأطباء. ففي نحو ثلث هذه الملفّات الطبّية (10 من أصل 32) تم الكشف عن أوقات استثنائية من ناحية طولها في انتظار السجناء للأطباء الاختصاصيين. كما ويستشهد التّقرير أيضًا بأمثلة تتعارض مع ادعاءات سلطة السّجون التي مفادها بأن أوقات الانتظار الطويلة سببها جداول أعمال المستشفيات، وقد استنتج التّقرير أن الأمر مردّه إلى اعتبارات سلطة السّجون نفسها.

●        تجاهل توصيات الأطباء المختصّين: إذ يحدد التّقرير بأن إجراءات الاستيضاح والعلاج الصحّيّين لدى المسجونين تتضرّر في أكثر من مناسبة، لعدة أسبابٍ من ضمنها عدم تطبّيق جزء من التوصيات التي يقدّمها الأطباء المختصّون، ويحدث ذلك في الغالب من دون مبررات طبّية. كما ويشير التّقرير إلى أن أطباء المستشفيات الذين يعالجون المسجونين يُحبطون في الكثير من الحالات بسبب التجاهل المتكرر لتوصياتهم، وهو ما يؤدي إلى الإضرار بصحة المتعالجين.

●        المستوى المهني المنخفض للطاقم الطبّي: يعمل في سلطة السّجون نحو 40 طبّيبا في عيادات السّجون، وما من أحد من هؤلاء مؤهّل بوصفه طبّيبا مختصًّا؛ ولغرض المقارنة مع الجهاز الصحّي العام، فإن نصف الأطباء العاملين في صناديق المرضى كأطبّاء عائلة هم أطباء مختصّون. وإلى ذلك، فإن الجهاز الصحّيّ التابع لسلطة السّجون يرتكز بشكل كبير على المسعفين، وهؤلاء متحصّلون على تأهيلٍ مهنيٍّ شديد البساطة، وهو لا يوائم الصلاحيات واسعة النّطاق المناطة بهم في السّجون. وإلى جانب ما تقدّم، فإن كثافة القوى العاملة في المجال الصحّيّ خفيفة، عدا عن كون الجهاز الصحّيّ يواجه مصاعب في العثور على أطبّاء يحتلون الشواغر.

●        مستوىً منخفض في معالجة الأمراض المزمنة: حتى يناير/ كانون ثاني 2019، تم تشخيص إصابة نحو ستّة آلاف سجينٍ بمرضٍ مزمنٍ ما. والكثير من هؤلاء تجري معالجتهم بمستوىٍ منخفضٍ مقارنةً بالخدمات الصحّيّة المجتمعّية. وقد كشف التّقرير على أن 15 حالة مرضٍ مزمنٍ من أصل 32 جرى فحصها في أوساط المسجونين، قد حُجب فيها عن الأسرى علاج حيوي، أو بأن طريقة العلاج التي جرت معالجتهم بها قد أدت إلى المخاطرة بصحتهم. ومن ضمن الأمثلة التي يفصلها التّقرير: أن نحو نصف المرضى المصابين بمرض السكري، أي أربعةٍ من أصل ثمانيةٍ، لم يحصلوا على علاجٍ وفقاً للمعيار المتّبع؛ كما أن العلاج في ستة حالات لمرض ارتفاع ضغط الدم من أصل 23 حالة، لم يكن متسقًا مع المعيار المتبع؛ وفي خمسة من أصل عشرة إصابات بالربو، لم يتم تقديم علاج إضافي للمرضى بخلاف الفينتالين، وهو أمر لا يتسق مع المعايير الصحّية المجتمعية المعمول بها.

●        العلاج الدوائيّ غير الكافي: تشير استخلاصات التّقرير إلى وجود ظاهرة  استخدام عقاقير غير ملائمة لدى سلطة السّجون، أو ظاهرة استخدام عقاقير غير مقبولة لمعالجة المشاكل الصحّية التي تم تشخيصها. وقد اتضح، خلال المسح الطبّي الذي تم إجراؤه، بأن 11 ملفًّ من أصل الملفّات الـ 32 قد شهد تقديم علاج دوائيّ لا يتسق مع ما هو متّبع في الجهاز الصحّيّ في إسرائيل، سواء أكان العلاج قديما أو أن تقديم العلاج لم يتم وفقا للمؤشرات السريرية المتبعة. كما ويضيف التّقرير إلى أن سلطة السّجون تستخدم أحيانا ذرائع النّقص في الميزانيات كتبرير لرفضها تقديم علاجات معينة للمسجونين، حتى لو كانت هذه العلاجات مشمولة في السلة الصحّيّة.

●        الفشل في الكشف عن حاملي HIV وتقديم الرعاية لهم: إذ يشير التّقرير إلى ظاهرة نفاد أدوية الـ HIV في عيادات السجن، مع إمكانية مضيّ عدّة أيام بل وأسابيع من دون أن يحصل حاملو المرض على رعاية صحّيّة. وفي حالة حاملي الـ  HIV فإن من شأن عدم انتظام تقديم العلاج الدوائيّ إليهم أن يؤدي إلى تطوير الجسم لقدرة على مقاومة العلاج وبالتالي فإن الأمر يمثل مخاطرة بحياة المصاب.

●        إنعدام الانتظام في الكشف المبكر عن سرطان القولون حيث كشف التّقرير انعدام أي توثيق لإجراء فحوصات الكشف المبكر عن سرطان القولون، حسبما تستوجب توجيهات وزارة الصّحّة، وذلك 8 ملفّات من أصل 14 ملفّا لسجناء تفوق أعمارهم الـ 50 عاما.

●        الحرمان من الحق في الحصول على وجهة نظر طبّية ثانية: رغم أن سلطة السّجون ملزمة بإتاحة المجال أمام السجناء للحصول على وجهة نظر طبّية ثانية على حسابهم الخاص، إلا أن التّقرير يحدد أن هذا الحق يظل "حبرا على ورق". وينيطُ التّقرير دوافع ذلك بالكلفة العالية والمصاعب البيروقراطية المرتبطان بجلب أطباء خاصّين إلى السّجون.

 

●        التوثيق الجزئي في الملفّات الطبّية: نحو نصف الملفّات الصحّيّة التي قام الأطبّاء بتفحصها (14 من أصل 32)، كان التوثيق الطبّي ناقصا أو غير ملائم.

 

غياب الرقابة والإشراف

●        عدم تطبّيق توصيات لجان الفحص: يشير التّقرير إلى أن توصية واحدة متعلقة بحوسبة السجلات الطبّية، قد تمّ تطبّيقها بشكل كامل، وذلك من أصل 11 توصية صادرة عن "لجنة يسرائيلي" التي شكلتها وزارة الصّحّة سنة 2002. وهنالك توصية أخرى، تتمثل في استجلاب الأطباء المختصّين إلى السّجون، قد جرى تطبّيقها بشكل جزئي.

 

●        انعدام النّجاعة وانعدام الثقة بمفوّضية تظلّمات السجناء: يوجه التّقرير نقدا إلى مكتب مفوّض التظلّمات في وزارة الصّحّة، الذي من المفترض فيه أن يستجيب أيضًا لشكاوى المسجونين، بادعاء أن هؤلاء لا ينظرون إليه بوصفه ذو صلة. وفي الفترة الواقعة ما بين كانون أول 2016 تموز 2018، تم تلقي ستة شكاوى مباشرة فقط من نزلاء السّجون لدى المفوّض، وذلك مقارنة بأكثر من 200 شكوى تلقّتها جمعية أطباء لحقوق الإنسان في الوقت ذاته. إن مكتب مفوّض التظلّمات هو السلطة الطبّية الخارجية الحصريّة المعرّفة بوصفها ذات صلاحية بإجراء رقابة على الجهاز الصحّيّ لدى سلطة السّجون، وذلك على ضوء حقيقة ادعاء وزارة الصّحّة بأنها لا تملك صلاحيات تحديد السياسات في المجال الصحّيّ في السّجون أو القيام برقابة حول الأمر.

 

الأداء الاقتصادي غير النّاجع

يقدّم التّقرير تحليلا اقتصاديا لميزانية النّظام الصحّيّ التابع لسلطة السّجون، وهو تحليل أجرته شركة فولكان سطيرلوفيتش وشركاه للمحاسبة.

ويكشف التحليل أن الجهاز الصحّيّ التابع لسلطة السّجون يعمل بشكل غير ناجع. وبحسب المعطيات، ورغم كون الخدمات الصحّيّة المقدّمة للمسجونين تعد أقل من تلك المقدّمة لسائر السكّان، إلا أن سلطة السّجون تنفق اليوم  10,360 شيكل على السجين، وهو مبلغ يعدّ تقريبا ضعف المبلغ الذي تنفقه صناديق المرضى على السكان ذوي السمات المشابهة لفئة السجناء من نواحي الإصابة بالمرض، السن، الجندر، حيث تنفق صناديق المرضى مبلغ (5,561 شيكل). ويشير التّقرير إلى أنه لو كانت الخدمات الصحّيّة المقدّمة للسجناء تقدّم من جانب صناديق المرضى، لكانت كلفتها ستكون أقل بنحو 75 مليون شيكل، بحيث أنه يمكن، بالاعتماد على الميزانية المعمول بها حاليّا، توفير خدمات أوسع بكثير من تلك المقدّمة الآن.

 

ما ينبغي فعله

وتقول نيف ميخائيلي، من قسم المسجونين في جمعيّة أطباء لحقوق الإنسان: "تدخل فئة المسجونين إلى السجن وهي مصابة أكثر بالأمراض، ولديها احتياجات طبّيّة كبيرة، وتفاقم الظروف المعيشيّة داخل السجن من حالة هؤلاء بشكل أكبر. إن سلطة السّجون هي جهاز أمني، وهي لا تملك لا المعرفة ولا القدرة المطلوبين لضمان تقديم رعاية صحّيّة لائقة للسجناء. والواقع اليوم هو أن السجناء يحصلون على رعاية طبّيّة منخفضة لا تتسق والمعايير المعمول بها في إسرائيل، وهي تشكل خطرا على صحة، بل وأحيانا، حياة المسجونين، وهي تضعف من قدرتهم على التعافي والعودة إلى المجتمع، كما أنها تؤدي على المدى البعيد إلى خلق عبء أكبر على الجهاز الصحّيّ الذي يعودون إليه بعد الإفراج عنهم. إن إخراج مسؤوليّة الخدمات الطبّيّة للسجناء من يد سلطة السّجون ودمجها في الجهاز الصحّيّ العام هو ما ينبغي فعله، سواء من ناحية حماية حقوق الإنسان أو من ناحيتين اجتماعيّة واقتصاديّة".

 

كلام الصورة: أحد السجون الاسرائيلية. تصوير مكتب الصحافة الحكومي، عن موقع أطباء لحقوق الانسان

أخبار ذات صلة