news-details

ميس أبو غوش "متهمة": بتنظيم مخيم صيفي، مقابلة اذاعية وملء زجاجات حارقة

 هآرتس- 10/1/2020

 

محمد أبو غوش قال إن اعتقال ابنته اصعب عليه من موت ابنه. هو يلقي نظرة حزينة على الصورة الكبيرة لوجه ميس الجميل التي تضع سلسلة عليها خارطة فلسطين الكاملة، ويصمت. لقد مرت خمسة اشهر تقريبا على اعتقال ابنته البكر ميس.

هو شخص جرب المعاناة. فابنه حسين قتل عندما كان عمره 17 سنة، عندما شارك في عملية طعن في مستوطنة بيت حورون التي قتلت شلوميت كريغمان قبل اربع سنوات؛ وابن شقيقه حسين قتل في عمر الـ 19 في الذكرى السنوية لموت ابنه في عملية دهس في معاليه مخماس، وابنه سليمان، 17 سنة الآن، اعتقل في السنة الماضية مرتين اداريا، في كل مرة اربعة اشهر. الآن ميس توجد في السجن. وحسب المحامين هي عذبت اثناء التحقيق معها.

بنود الاتهام الخمسة ضدها تحمل عناوين خطيرة وتثير الرعب، ولكن تفصيل معظمها يثير الضحك. "الاتحاد غير المشروع" المتهمة به هو لجنة الطلاب للاعلان في جامعة بير زيت والكتلة الطلابية لتنظيمات اليسار "القطب". "حمل، حيازة وانتاج سلاح" – ملء زجاجات من محطة وقود وادخال قطع من القماش كفتيل. "اتصال مع عدو" – مشاركة في مؤتمر حول العودة في لبنان، برنامج اذاعي تحدثت فيه عن اخيها الميت وكذلك نية تحضير مقال عن هديل الهشلمون، الفتاة من الخليل التي حملت سكين واطلقت النار عليها وقتلت في الوقت الذي كانت فيه ملقاة على الشارع وهي مصابة. "التآمر على ادخال اموال للعدو" – خطة لفتح حساب بنكي لتمويل لجنة طلابية للاعلام التي عملت فيها.

بند 2.4 في لائحة الاتهام خطير بشكل خاص: "في آب 2019 تحدثت المتهمة مع قصي مسالمة وليان الكايد وسماح جرادات بشأن تنظيم مخيم صيفي من قبل الكتلة، وقد ترددوا حول اقامته أم لا على ضوء اعتقال عدد من الاشخاص". ولحسن حظ اسرائيل، هذه الخطة الخبيثة والخطيرة لعقد المخيم الصيفي تم احباطها وهي في مهدها بفضل الشباك.

حوالي 50 فلسطينيا، معظمهم من الطلاب، اعتقلوا منذ قتل رينا شنراف في نبع بوبين في آب الماضي. العناوين في وسائل الاعلام المجندة لاسرائيل صرخت: "الشباك كشف قتلة رينا شنراف – جزء من بنية تحتية ارهابية شملت 50 مخرب". مخرب؟ تقريبا لم ينسب لأي واحد منهم تهمة التآمر على القتل، حتى ولو بصورة غير مباشرة. هم ليسوا متهمين بالعضوية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. عدد منهم اطلق سراحهم، وعدد آخر تم وضعهم في الاعتقال الاداري، وضد اغلبيتهم تم تقديم لوائح اتهام.

الاتهامات هي سياسية في اساسها، في عملية ظهرت كانتقام للشباك على عملية القتل وقرار بتصفية هذا التنظيم الايديولوجي الذي تقلص مع مرور السنين في الضفة الغربية، والتي فيها تقريبا كل اتحاد سياسي محظور حسب قوانين الاحتلال. احد المتهمين بقتل شنراف، سامر العربيد، تم تعذيبه في ساعات التحقيق معه الثلاثين الاولى، التي فيها كسر المحققون 16 ضلع من اضلاعه، 8 في كل جانب، وتضررت اعضاؤه الداخلية وتم علاجه وهو فاقد للوعي ومخدر ومربوط بجهاز التنفس الصناعي وفي وضع حرج جدا.

حسب "لجنة شؤون الأسرى" الفلسطينية فان ميس أبو غوش عذبت ايضا. في بيتها في مخيم قلندية للاجئين، تحدث والدها عن طرق الجلوس المؤلمة التي وضعوا فيها ابنته، منها طريقة الموزة والضفدع. وعن منع من النوم ومن الذهاب الى الحمام، وهي الفتاة التي اتهمت بملء زجاجات حارقة وتنظيم مخيم صيفي. محامياها، سحر فرنسيس ومحمود حسان، يطلبون جلسة محاكمة مصغرة بخصوص الوسائل التي استخدمت ضدها اثناء التحقيق، وهو الامر الذي سيتبين في الايام القريبة.

ملثمون

 

مخيم قلندية كان يعج بالناس في هذا الاسبوع في ساعات المساء الاولى من يوم الاثنين. هذا احد المخيمات الكبرى في الضفة، 15 ألف نسمة على مدخل رام الله. ومشهده يذكر بمخيمات اللاجئين في الاردن. بيت عائلة ميس يوجد في نهاية زقاق، قريب من مدخل المخيم، يتكون من عدة طوابق ويعيش فيه اعمامها ايضا. الشقة التي توجد في الطابق الخامس مهدمة – الجيش الاسرائيلي هدمها في اعقاب العملية التي نفذها شقيقها حسين، ومنذ ذلك الحين العائلة تعيش في الطابق الثالث.

الأب محمد استضافنا في كراج البيت في الطابق السفلي والذي فيه البرد يجمد العظام، وعلى جدرانه علقت صور للشهيدين من العائلة، ابنه وابن شقيقه، اللذين اسمهما حسين أبو غوش. إبنه سليمان تم اطلاق سراحه من السجن مؤخرا. في العام 2019 تم اعتقاله مدة اربعة اشهر بدون محاكمة، واربعة اشهر كان فيها حرا، ومرة اخرى اربعة اشهر اخرى اعتقل بدون محاكمة، والآن هو يوجد في بيته. محمد يعمل في محل للادوات المكتبية واجهزة الطباعة في رام الله، وسليمان يعمل معه.

محمد (49 سنة) يثير الاعجاب بسبب ضبط النفس. ميس ابنته هي طالبة في السنة الرابعة في كلية الصحافة في جامعة بير زيت. وقد بقي له ولزوجته نجوى اربعة اولاد وثلاث بنات بعد موت حسين. ميس اعتقلت في ليلة 29 آب. حين كانت تدرس استعدادا للامتحان حتى ساعة متأخرة، وفي الساعة الرابعة فجرا سمعت ضجة غريبة في بيت الدرج. هي وشقيقها ايقظا الأب الذي ساعر الى اشعال الضوء على مدخل الشقة من اجل منع تفجير الباب.

ولكن جنود الوحدة الخاصة لحرس الحدود كسروا باب الشقة رغم ذلك. لقد كانوا حوالي 10 رجال وثلاث نساء وعميل للشباك وكلب. وكانوا يرتدون الزي العسكري وهم ملثمون. وقد جمعوا ابناء العائلة في الصالون وأخذا طفلين في الخامسة والثالثة من اعمارهم من السرير وحملوهم. رجل الشباك المعروف باسم الكابتن حسام، تقدم مباشرة نحو ميس وشخصها. الأب عرف أنهم في هذه المرة جاءوا من اجلها وليس من اجل أحد الابناء الآخرين. وقد قال بأنه كان مصدوما مثلما لم يكن في أي اعتقال سابق.

ميس لم تجب على اسئلة الكابتن من الشباك ورفضت اعطاءه هاتفها المحمول. وقد قالت له إن الجهاز قيد الاصلاح. وبعد ذلك، عندما وجد الجهاز، رفضت اعطاءه الرقم السري. الكابتن طلب من والدها الرقم السري الذي سأله: "هل أنت تعرف الرقم السري لهاتف ابنتك؟". الكابتن أجاب بالايجاب. الملثمون قاموا بتفتيش غرفة ميس والغرف الاخرى، وعاثوا في البيت. الكابتن قال لمحمد بأن عليه اعتقال ابنته. "هي طفلة، كيف تريد اعتقالها؟ سأحضرها في الصباح الى حيث تريد"، قال الأب، لكن الكابتن لم يوافق، وتم أخذ ميس من البيت.

بعد اسبوعين تقريبا اتصل الكابتن حسام وقال لمحمد بأن المحققين مع ابنته يريد الالتقاء معه في سجن عوفر. محمد خاف من أن يكون قد حدث سوء لابنته. محققة باسم نورا كانت في انتظاره. "أولا، أريد القول لك بأن ميس تفكر بك طوال الوقت، وهي تهتم بسلامتك"، بدأت حديثها.

محمد قرر عدم التعاون معهم وعدم الاجابة على الاسئلة التي تتعلق بابنته. "لقد أحضرتك الى هنا كي اقول لك بأنني قمت بالتحقيق سنوات كثيرة، ولكني لم التقي بفتاة قوية مثل ميس. فهي قامت بضربنا. ابنتك هي ارهابية كبيرة، هي حزب الله. حزب الله والجبهة الشعبية. وأنا أريد منك التحدث معها".

محمد رفض ذلك. "لماذا؟" سألته المحققة، "هل أنت غاضب عليها؟". ومحمد لم يجب. المحققة هددت بأن ابنته ستقضي عشرين سنة في السجن. "هي ستفقد حياتها" قالت له. عندها قالت له بأنه كان هناك من اراد أن يتزوجها، قسام البرغوثي، أحد المتهمين بعملية نبع بوبين. المحققة سألت الأب عما ينوي الأب عمله، وهو اجاب "ارسلوهما لعشرين سنة سجن وليتزوجا هناك".

المحادثة استمرت لساعتين، حسب اقوال محمد. وقد سألت مرارا وتكرارا: "ماذا ستفعل ازاء علاقة ابنتك مع قسام؟ وكيف أنت تربي اولادك"، و "يجب عليك قطع رأس قسام". محمد فهم أنهم يريدون دق اسفين بينه وبين ابنته واثارة النزاع بينهما.

ماذا فعلوا لابنتي

عندما عاد الى البيت قال لزوجته بأنه على قناعة بأنهم سيستدعونها للتحقيق وأنه يجب عليها عدم التعاون مع المحققين. وقد قال بأنه عرف أن ابنته تعرف قسام من الجامعة. بعد بضعة ايام اتصل الكابتن وأمر الزوجين بالمثول في غرفة التحقيق في عوفر. وعندما وصلا شاهدا شاب في غرفة الانتظار. وهما لم يعرفا أن هذا هو عبد الكريم البرغوثي، والد قسام. المحققون أمروهم بعدم التحدث مع هذا الشخص الغريب.

بعد ذلك أخذوا نجوى ومحمد الى القدس، الى قسم التحقيق في المسكوبية. وهناك قالوا لهم بأنهم يريدون مقابلتهم مع ابنتهم. وتم ادخال ميس الى الغرفة. "هذه لحظة لن انساها طوال حياتي"، قال محمد. سأقوم بتربية ابني الصغير، ابن الثالثة، على هذه اللحظة.

عندما رأيت ميس اعتقدت في البداية بأنها ليست ابنتي. وبعد بضع ثوان فهمت أنها حقا ابنتي. ولكن شيء ما حدث لها. ربما يظهرون هكذا بعد تعرضهم للصدمات الكهربائية. لقد كانت منكسرة. كنت مستعد لأن اصرخ: ماذا فعلتم لابنتي؟ ولكن بعد مرور بضع ثوان ابتسمت، عندها هدأت قليلا. كانت منحنية وكانت تمشي بصعوبة بخطوات قصيرة ربما بسبب القيود.

قمت وعانقتها وهمست لها: نحن نحبك ونقف الى جانبك، ونحن فخورون بك. وأردت القول لها شيئا عن قسام، ولكن والدتها اخذتها مني وعانقتها. وهي كانت نحيفة جدا، قبل الافتراق سألتني: هل اتصل معك قسام؟ وعندما اخرجوها من الغرفة رأيت الدموع في عينها. وزوجتي نجحت في ضبط نفسها ولم تذرف الدموع. كان يجب أن نظهر اقوياء امامها لأنهم هددوها باعتقالنا، وهي قلقت علينا جدا. وفي نهاية اللقاء القصير اخذهم المحققون الى حاجز قلندية.

عند عودته الى البيت سارع محمد الى الاتصال مع المحامي خضر الدبس الذي كان يمثل حينها ابنته وطلب منه محاولة الالتقاء معها بسرعة. وأن يقول لها على لسانه "أنت يمكنك أن تحبي من تريدين، وأنا أتمنى لك أن تحبي من تريدين". لقد عرف أن المحققين ارادوا خلق الانطباع لديها بأن والديها غاضبين عليها ويهددان بالتخلي عنها. وهو أراد محو هذا الانطباع الكاذب". في زيارة في سجن الدامون قبل شهر سألها من خلف حائط الزجاج: ماذا فعلوا بك؟ وهي اجابته: أنا لا اريد أن اجيبك الآن. وعيناها امتلأتا بالدموع.

 

أخبار ذات صلة