news-details

آدابُ الحديث..

قالَ أَحَدُ الحٌكَماءِ: يا بُنَيَّ إذا أَعجَبَكَ الكَلامُ فاصْمُتْ، وإذا أَعجَبَكَ الصَّمْتُ فَتَكَلَّمْ! أَينَ نَحْنُ من هذهِ الحِكْمَةِ لِحَكيمٍ أَسقَطَتِ الأَيّامُ اسْمَهُ، وظَلَّتْ كَلِماتُهُ هادِيًا لَنا- هذا إذا تَهُمُّنا الهِدايَةُ!

كانَ أَجدادُنا وآباؤُنا يُحسِنونَ، فيما يُحسِنونَ، آدابَ الحَديثِ؛ فَإذا تَحَدَّثَ أَحَدُهُم أَصغى لَهُ الآخَرونَ بِمَحَبَّةٍ واحْتِرامٍ ومِن دونِ مُقاطَعَةٍ مِنْ أَحَدٍ، فَإِذا أَنْهى حَديثَهُ تَحَدَّثَ الآخَرُ.. يَفْعَلونَ ذلِكَ لِإيمانِهِمْ بِأَنَّ لِلْحَديثِ أُصُولًا وَوَقْتًا، وأَنَّ لِلْإِصغاءِ أُصُولًا وَوَقْتًا أَيضًا، ذاكَ لتَعُمَّ مَعْرِفَةُ العارِفينَ فَيَتَلَقَّفَها غيرُ العارِفِينَ بِاحتِرامٍ؛ وكانَ الحَديثُ أَكْثَرَ ما يكونُ في الفِلاحَةِ والرِّعايَةِ وشُؤُونِ القَريَةِ، وقَدْ يُعَرِّجونَ على سِياسَةِ تلكَ الأَيّامِ مِمّا يَسْمَعونَهُ منَ الّذينَ يَملِكونَ الرّاديواتِ،وهَؤُلاءِ قِلَّةٌ قليلَةُ في القَريَةِ.

هَؤُلاءِ الآباءُ والأجدادُ الَّذينَ نَتَحَدَّثُ عَنُهُمُ اليومَ كَذِكرى عابِرةٍ، لمْ يَدْخُلُوا مَدارِسَ ولا جامِعاتٍ، ولكِنَّهُمْ فاقُونا بِما عَلَّمَتْهُمْ تَجارِبُ الحَياةِ ..عَلَّمَتْهُمُ الصَّبْرَ واحْتِرامَ الآخَرِ وجَلادَةَ الاستِماعِ الى آراءِ الآخَرينَ بِدونِ مُقاطَعَةٍ أَو تَشَنُّجٍ حَتّى وإنْ كانوا غَيرَ مُوافِقينَ على ما يَسْمَعونَ.

 أَمّا نَحنُ فَعَصَبِيّونَ دائِمًا، ودائِمًا مُتَشَنِّجونَ! والّذينَ يَعْزُونَ ذلكَ الى طَبيعَةِ حَياتِنا، وما حَمَلَتْهُ التِّكنولوجيا لَنا مِنْ تَعْقيداتٍ، فَهُمْ مُصيبونَ ومُخْطِئُونَ في آنٍ: مُصيبونَ بأَنَّ رُقْعَةَ الحُرِّيَّةِ الفَرْدِيَّةِ قدْ ضاقَتْ، ومُخْطِئُونَ بأَنَ القُدْرَةَ على مُواجَهَةِ الصِّعابِ قَد فَتَرَتْ؛ ناسينَ أَنَّ أَحَدَ تَعريفاتِ الذَّكاءِ هو التَّكَيُّفُ لِأَيِّ ظَرْفٍ كانَ.

صباحُكُمْ سُكّر.

حسين مهنّا

أخبار ذات صلة