news-details

الإنسان والوطن

جميلٌ أن يبنيَ الواحِدُ مِنّا بَيتًا، وأَجمَلُ مِنْهُ أَن يترُكَ قَدْرَ ما يستطيعُ من مَساحَةٍ مِنَ الأَرضِ لِيَجعَلَ منها حديقةً تَزيدُ جمالَ البيتِ جمالًا. وحَبَّذا لو غرسَ فيها منَ الأَشجارِ المُثمِرَةٍ شَيئًا، ومِنَ الورْدِ شيئًا. لتَظلَّ هذهِ الحديقَةُ رابِطًا مُقَدَّسًا بينَ الإنسانِ وبينَ تُرابِ الوطَنِ بعدَ أَنْ هَجَرْنا الأَرضَ – بِغالِبِيَتنا – وأَعطينا المَناجِلَ والمَعاوِلَ إجازَةً طَويلَةَ الأَمَدِ. تَمُرُّ على الإنسانِ أَوقاتٌ يرى فيها التُّرابَ أَغلى مِنَ الذَّهبِ كما تقولُ الأُغنِيَّةُ الشَّعبِيَّةُ؛ فَكمْ من مُهَجَّري شَعْبِنا حَملوا مَعَهُم حُفَنًا من ترابِ الوطنِ جَعَلوها حِرْزًا وعَهْدًا وأَمَلًا بالعَودَةِ.

هذهِ الجدَلِيَّةُ الأَبدِيَّةُ المقدَّسَةُ ستظَلُّ الشُّغلَ الشّاغِلَ عِنْدَ مَنْ حَرَثَ الأَرضَ وزَرَعَها، وتَعامَلَ مَعها مُعامَلَةَ العاشِقِ لِمَعْشوقِهِ؛ كيفَ لا وقَدْ تمازَجَ عَرَقُهُ بِتُرابِها صَيفًا، وتَطَهَّرَتْ قَدَماهُ بِوُحولِها شِتاءً. لا شَكَّ في أَنَّ الأَجيالَ القادِمَةَ سَتَحمِلُ عَنَّا حُبَّ الوطَنِ وافتِداءَهُ بأَرواحِهِم، ولكنْ يَظَلُّ عِندَهُم مَفْهومًا لا واقِعًا مَعيشًا وحَياتُهم مُحاطَةٌ بالإسْفِلتِ والباطونِ مِمّا أَبْعَدَهم عنِ التُّرابِ، وحتّى الجُلوسِ علَيهِ- بَلْهَ العمَلَ فيهِ.

بَعيدًا عنِ الإِسهابِ والإِطنابِ يَظَلُّ السّؤال الصَّعبُ مَطروحًا.. هل يُمكِنُ احتِلالُ أَرضٍ؟ نَعَمْ! هل يُمكِنُ اغتِصابُ وطنٍ؟ لا؛ وإنْ حَدَثَ سَيظَلُّ المُغتَصِبُ قَلِقًا خائِفًا لا بل مُرْعوبًا لِأَنَّ صاحِبَ الحَقِّ هو الأَقوى وإن كانَ ضَعيفًا.. فَلْيَهنَأْ كُلُّ إنسانٍ بِوطَنِهِ، ولْيَخْجَلْ هذا العالَمُ من طِفْلٍ لا يَرى وطَنَهُ إلّا من بَعيدٍ..

صباحُكُم سُكَّر

حسين مهنّا

أخبار ذات صلة