news-details

الطّائر الأخضر يصل الى ليما

في روايته "حفلة التّيس" الّتي يهجو فيها ماريو بارغاسيوسا الدّكتاتور، نقرأ بألم أن زبانيّة الدّكتاتور أجاعوا رجلًا معارضًا حتّى كاد يشرف على الموت، ثمّ قدّموا له قدرًا مملوء بالّلحم فالتهمه بمتعة، وحينما شبع أخرج أحدهم جمجمة طفل من كيسٍ ووضعها أمام الرّجل المعارض قائلًا: "هذا الّذي تناولت لحمه". وحدّق المعارض مشدوهًا بوجه ابنه الوحيد.

أجاد يوسا في هجاء الدّكتاتور كما فعل جبرائيل غارسيا ماركيز في رواية "خريف البطريرك" وأنخيل استورياس في رواية "السّيّد الرّئيس"، وعلى الرّغم من هذا الهجاء المرّ وقرف القارئ من الدّكتاتور وبطشه وفحشه وقبحه، هذا الطّاغية المتوحّش الّذي كان يخفي عينيه الرّهيبتين وراء نظّارة سوداء، ولم يكتفِ بمراقبة سلوك الجّميع بل راقب ضمائرهم وأحلامهم، تساءلت: هل حدث هذا العمل أم أنّ يوسا تأثّر بأسطورة الطّائر الأخضر العربيّة الّتي كانت تقصّها لنا جدّاتنا وأمّهاتنا عن الطّفل الّذي ذبحته خالته الحاسدة الحاقدة، زوجة أبيه، وطبخته وقدّمته لزوجها، فتناول الّلحم ورمى العظم، فجمعته أخت الطّفل الذّبيح ووضعته على العشب، فتحوّل العظم الى طائرٍ أخضر يقف على أغصان الأشجار وعلى الحجارة وعلى الجدران ويغنّي كلّما شاهد أباه "أنا الطّير الأخضر ،أنا مزيّن المحضر، خالتي ذبحتني، وأبوي أكل لحماتي، واختي الحنونة لمّت عظماتي" أو كما يروي آخرون "أنا الطّير الأخضر، بمشي وبتمختر، خالتي ذبحتني، أبوي أكلني، وأختي الحنونة رمت عظامي على المرج الأخضر".

وهذا الأمر ذكّرني بمقالٍ لي بعنوان "البعير الّذي صار جوادًا" كنت قد نشرته في العدد الرّابع (1997) من مجلّة "اضاءات" المحتجبة لصاحبها د. نبيه القاسم عن الرّوائيّ الايطاليّ امبرتو ايكو وروايته "اسم الوردة" حيث نقل القصّة العربيّة الشّهيرة عن فراسة الاعرابيّ الّذي التقى اعرابيًّا آخر يبحث عن جمله الضّائع فسأله: هل جملك أعرج؟ فقال نعم. ثمّ سأله: وهل جملك أعور؟ فأجاب نعم. فعاد وسأله: هل كان يحمل دِبسًا؟ ففرح الاعرابيّ وقال: نعم. هذا جملي فأين رأيته؟ فأجابه بأنّه لم يشاهده، ولكنّه عرف أنّه أعرج من آثار أقدامه على الأرض، وعرف أنّه أعور لأنّه رعى العشب من جهة واحدة فقط أي من جهة عينه السّليمة، وعرف أنّه يحمل دبسًا من النّمل الّذي تجّمع حول قطرة دبسٍ هنا وقطرةٍ هناك في الطّريق، ولكي تتلاءم القصّة مع الواقع الايطاليّ حوّل أمبرتو ايكو البعير الى جواد.

وأظنّ أن الأديبين الكبيرين، الايطاليّ ايكو والبيرونيّ يوسا قد قرأا هاتين القصّتين، فأبحرت سفينة الصّحراء حتّى وصلت الى البندقيّة، وطار الطّائر الأخضر وحطّ في ليما، وقد يكون هذا الأمر مجرّد تشابه في تراث الشّعوب.

 

الصورة (خالد عمر/شينخوا): سباق الجمال التقليدي خلال مهرجان رفح للجمال، جنوب قطاع غزة، تشرين أول 2019. 


 
أخبار ذات صلة