news-details

العرس والسَّبَت

حتى الذين لا يُطيقون السبْت ولا السُبات أسبتوا. في زمن الكورونا أسبتنا كلنا بالقوّة، وتعلّمنا التطريز. ومنّا من تعلّم ما هو أبعد من ذلك بكثير. ولولا الكورونا ما أرهقتُ نفسي وما كتبت هذا المقال الناشف أصلا. لكن للضرورة أحكامها واعتباراتها.

سألت الأديب محمد نفاع عن لفظة "السَّبَت" في متواليته القصصية الجديدة "السَّبَتُ الكبير". والسَّبَت هو صندوق العروس، وفيه تضع كلّ مستلزماتها وأشيائها. فحص الرجل ولم يجد أصلا لها. لم يجد أصولا عربية للتسمية، رغم أنه فحص، وقال قد تكون اللفظة غير عربية في مرجعيّاتها.. فقلت بيني وبين نفسي إذا كان محمد نفاع لا يهتدي إلى أصل اللفظة وفصلها أكنت أنجح أنا حيث لم يُفلح هو؟! ومن لا يعرف محمد نفاع بشغفه اللغوي وقدرته على البحث (أو البحش) في أصول المفردات؟ وهو من هو في اللغة وأنا من أنا! بدأت البحث والتنقيب في معجم مقاييس اللغة لابن فارس ثم لسان العرب لابن منظور. ثمّ انتقلت إلى معاجم متأخّرة فتبيّن لي أنّ المسافة الفاصلة بين الجذر "سبت" والجذر "عرس" قصيرة. هذا ما طلع بيدي. وجدت أربع نقاط تماسّ بين العرس والسبت على المستوى المعجمي: الانقطاع والاستراحة والحلاقة والسير المتهادي البطيء.  

أولا: في التعريس انقطاع عن أيّ عمل أو تجارة ولزوم شيء واحد والالتزام بطقوسه. ولا تسمّى المرأة عروسًا عند زواجها إلا لأنها تلزم زوجها لا تتركه. وهذا من معاني السبت أيضًا: الانقطاع وترك الأشغال والأعمال. أقول من باب التذكير فقط: حين كنا فلاحين كنا لا نعرّس إلا بين المواسم وحسب حالة الطقس. هذا ما كان يجمعنا وما يحكم برامجنا. وحين أخرجتنا إسرائيل إلى مصانعها ومعاملها، وصرنا صُنّاعًا وعمّالا، صرنا لا نقيم أعراسنا إلا في  السبوت.

ثانيًا: في التعريس استراحة. قالت العرب: عرّس المسافرون أي نزلوا في الليل للاستراحة. والسبت استراحة. إذًا العرسُ هو نوع من السبت. ومنه السُّبات وهو الاستراحة في الليل، وهذا بالضبط معنى قولهم عرّس المسافرون.

ثالثًا: في التعريس حلاقة للعروسين كليهما. وهي من مستلزمات العرس، كلّ عرس. ومن معاني لفظة السبت الحلاقة أيضًا (حلاقة الرأس).

رابعًا: لا تنتقل العروس من بيت أبيها إلى بيت زوجها هرولة. لا يجيز لها العرف أن تندلق في مشيتها. في أسوأ حالاتها قد تمرّ مرّ السحابة لا ريثٌ ولا عجل. ومن معاني السبت السير البطيء كسير الإبل مثلا. ومن هنا صار السِّبت يعني الحذاء الذي نسير به سيرًا خفيفًا. ومن يدري قد تكون لفظة "السُّبّات"، أو "السُّبّاط" مثلما نلفظها في لهجتنا الدراجة، تحريفًا للفظة "السِّبت"؟ من يدري؟

وهكذا صار السبت إذًا من مصاحبات العرس وأقرانه. ولمّا صارت العلاقة بين السبْت والعرس منطقية ومعقولة معجميًا صار الربط بين صندوق العروس والسَّبْت أمرًا معقولا بنفس القدر. فصار صندوق السّبْت. ومع التداول وتراكم الأيام حرّفوه وحرّكوا حرفًا واحدًا فصار صندوق السّبَت. مثلما حرّفوا كلمة بحث الفصيحة وصارت بحش، واستبدلوا "الثاء" بـ"الشين"، وهما حرفان من حمولة واحدة. ومعنى كلمة "بحث" طلب شيئًا في التراب. ومن هنا صار "البحش" فعلا موصولا بالتراب.... والله تعالى أعلمُ وأنا لا أعلمُ.   

 

 

 

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة