news-details

شرقنا وغربهم

في تاريخ حياة الأفراد – بل والأُمم – منحيات تتّخذ فيها شخصيّاتها أوضاعا جديدة اثر اختبارات مصيريّة حادّة.

يتجلّى ذلك واضحا في لقاء الشَّرق بالغرب، أيّ لقاء الحضارة العربيّة بالحضارة الغربيّة، فشكَّلَ أحد تلك الاختبارات الهامة في تاريخ المشرق العربي، ولا يخفى على القارئ المتأمّل مدى انعكاس هذا الاختبار أوضح انعكاس في سِيَر حياة المفكّرين وأهل الثَّقافة، لما لهم من مقدرة شبه غريزيّة على الاستجابات والتأثّرات، ولما يملكون من طواعية تُتيح لهم التشكّل وتبنّي الأوضاع الجديدة، ولما يملكون بعد ذلك من المقدرة على تكوين النَّظرة الموحّدة، وعلى رسم شخصيّاتهم الفرديّة في إطار جديد، يشمل الماضي الذي يُعاد تنقيحه وتعديله، والحاضر الذي تُعاد قراءته، والمستقبل الذي يرسم ويخطط في ضوء التطوّرات والتَّصوّرات التي استجدّت.

طبعًا، هذا يتيح لنا أن نقول ونُسجّل أنّ كلّ مبدع أو مُفكّر لا تكاد تمرّ به سِنّ العشرين أو الثلاثين إلّا ويكون قد خطّط لنفسه، واهتدى الى أفكاره الأساسيّة التي سيظلّ مخلصا لها، ممّا يجعله يُوظّفها في حلّ مشكلات مجتمعِهِ الحقيقيّة، من خلال أعمالهِ الإبداعيّة.

وفي ظنّي أنّ الاختبار المصيري الذي واجهه توفيق الحكيم هو في محاولته التَّوفيق بين العنصر العربي الإسلامي والعنصر الغربي في ثقافته،  وفي إبداعِهِ من بعد، وهذا ما نراه في أعماله الأولى: مثل “زهرة العمر” أم “عصفور من الشَّرق” الذي يُعْتبر امتداد لعمله الأول، فاعتبر البعض أنَّ هذه المحاولة من أهم انجازات الحكيم.

ونحن لا نغالي إذا قلنا: إنّ محاولة التّوفيق بين العنصرين الشَّرقي والغربي هي الشُّغلْ الشَّاغل لشرقنا العربي حتّى أيّامنا هذه، وذلك منذ أن دخلت جيوش نابليون مصر...

وهنا لا بدَّ أنْ نطرح السُّؤال، هل استطعنا أفرادا، أو مبدعين، أو حتّى مجتمعا حقّا انجاز هذا التّوفيق بين هذين العنصرين؟!!!

وحين نطرح هذا السؤال والتّساؤل، يجب ألّا يغيب عن بالنا أنَّ تَلَمُّس أبعادَ هذا الاختبار المصيري، تُحتِّمُ تَمَتُّعِنا ببصيرةٍ قويّة ونحن نقرأ التَّاريخ، وبضرورة  قيامنا باستخراج القيم الايجابيّة من الماضي، وأن، وهذا ما نلمسه اليوم، لا يبقى فهمُنا للحضارة الغربيّة خليطا مُشّتَّتًا من التَّحيّزات والانطباعات والعلاقة التّبعيّة والإمّعيّة!

 

رشدي الماضي 

أخبار ذات صلة