news-details

تقرير: "اليوم نشيع الشهداء وغدًا نعلق المشانق": غضب شعبي عارم ومطالبات فورية بالمحاسبة اثر كارثة بيروت

لم تستفق بيروت من الصدمة بعد، ولم تحصِ بعد عدد ضحاياها، ولا تعرف بعد أسماء كل مفقوديها، وما زالت تجهل كيف بامكانها أن تضمد جراحها الغائرة جراء هذه الكارثة، لكنها بالتأكيد تعرف شيئًا واحدًا وتجمع عليه، أن الطبقة السياسية الفاسدة هي المسؤول عن هذه الكارثة وأنها لن تستكين قبل أن تأخذ "ثأرها" منها وتقدم كل مسؤول من قريب أو من بعيد عن الكارثة بالتورط المباشر أو الاهمال أو التستر للمحاسبة الفورية والعلنية والشعبية المباشرة. 

وواضح من الغضب الشعبي في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أن ما كان قد يمر قبل 4 آب 2020 من جرائم السلطة الفاسدة بواسطة تقاذف المسؤولية بين أقطابها لن يمر بعد 4 آب 2020. وبيروت التي تشيع شهداءها وتضمد جراح مصابيها اليوم تدرك أن لا مناص لها الا أن تخرج لـ"تعليق المشانق" غدًا.

يعرف الشعب اللبناني أن أكثر من 2700 طن من نترات الأمونيوم المخزّنة بصورة عشوائية، هي التي صارت وقودًا للحريق وسببًا للتفجير الذي أتى على جزء من العاصمة وكامل المرفأ. ويعلم بعد تناقل العديد من التقارير الصحفية أن جهاز أمن الدولة أجرى تحقيقاً رفع بموجبه تقريرًا عن وجود مخاطر قد تتسبب بها هذه المواد، علمًا بأن عصارة النفايات والمواد الكيميائية كانت تتسرّب في المرفأ. وفي اجتماع المجلس الأعلى للدفاع أمس، عرض المدير العام لأمن الدولة، اللواء طوني صليبا، التقرير الذي أعدته مديريته مطلع العام الجاري. فيما سرّبت مديرية الجمارك ليلاً، كتابًا موجهًا إلى القضاء، عام 2017، تذكر فيه ست رسائل سابقة، موجهة إلى قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، تطلب فيها إعادة تصدير نيترات الأمونيوم، أو بيعها إلى إحدى شركات تصنيع المتفجرات. وأن هذه الشحنة من المواد في المرفأ منذ عام 2013، بقرار قضائي لبناني.

وتتساءل الصحافة اللبنانية والنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، "لماذا بقيت المواد الخطرة في لبنان؟" و"لماذا لم ترحَّل لاحقاً بعد معالجة أمر الباخرة؟ و"من هو صاحب القرار بأن تبقى هذه المواد بلا أي إجراءات احترازية؟" و"من المستفيد من بقائها؟"و"لماذا لم تتدخّل مديرية المخابرات، صاحبة الصلاحية الأمنية في المرفأ، والمسؤولة عن كل ما له صلة بقضايا الأسلحة والمواد المتفجرة، لمنع تخزين مواد قابلة للتفجير في مرفق حساس كميناء العاصمة البحري؟" و"من علم من المسؤولين ببقاء هذه المواد ولم يتصرف؟" و"من هم قضاة الأمور المستعجلة الذين تعاقبوا على المنصب منذ 2013 وأقروا بقاءها ؟" و"أي من الوزراء ورؤساء الحكومة الحاليين والسابقين لديه علاقة بالموضوع؟"

وان حجم الكارثة التي حصلت أكبر بكثير من أن تبقى هذه الأسئلة بلا اجابة أو من أن تعلق في الهواء باسم "لجان تحقيق" واجراءات قضائية وألاعيب سياسية وترامي التهم بين أقطاب السُلطة. تلك الكارثة الكبيرة التي وصفتها صحيفة الأخبار اللبنانية بـ" قوة الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت أمس، تعادل قوة قنبلة نووية «تكتيكية». كمية نترات الأمونيوم الموجودة في العنبر رقم 12، منذ أكثر من 6 سنوات، مهملة، وبلا توضيب ولا تخزين يقيان المدينة شر الانفجار، تعادل ما بين 600 طن و800 طن من مادة الـtnt. ...ما جرى أكبر من أن يوصَف ومن أن يُحاط به. هو الارتطام الأول، والأكبر، في رحلة «السقوط الحر» للبلاد. انفجار كهذا (ليس قنبلة نووية) لم يشهد كوكب الأرض الكثير منه، منذ اختراع البارود. لبنان هنا سجّل رقماً قياسياً. الأمر ليس تقنياً، بطبيعة الحال. هو شأن سياسي، بالمعنى غير المبتذل للكلمة. شأن يمسّ الناس في حياتهم. عشرات الشهداء، وآلاف الجرحى، وآلاف المساكن والمؤسسات والمحال والمباني المدمّرة والمتضررة، يبعد بعضها عشرات الكيلومترات عن مركز الانفجار. حصيلة كهذه تحتاج إلى حرب. تدمير مرفأ بكل ما فيه يستلزم تجريد حملة عسكرية. الحرب وقعت في بيروت أمس، لكنها تكثّفت زمنياً فلم تطل سوى ثوانٍ معدودة. مدة كانت كافية لجعل المدينة الساحلية، ومعها كل لبنان، بلاداً منكوبة. "

وقال الصحفي الاستقصائي في قناة الجديد رياض القبيسي، الذي اشتهر بملاحقة الفساد في مرفأ بيروت بالذات والكشف عن الصفقات المشبوهة التي تحدث من خلاله على مدى السنوات السابقة:" يمكننا القول ان فساد الجمارك انفجر باللبنانيين ! كل المؤشرات تقول ان ما حصل هو نتيجة تراكم من الإهمال والفساد. حرفيا فساد الجمارك انفجر باللبنانيين !"

وقالت الاعلامية والناشطة السياسية سحر حسين غدار:" الإستقالات الشعبوية لا تعفي من المسؤولية، إسترداد القواعد الشعبية لن يمر عبر دم الناس.لن تمر هذه المسرحيات، المحاسبة وحدها الحل للجميع دون أحد. المشانق في الساحات العامة وحدها تثلج القلوب"

ولا يدل على حجم الغضب والاصرار على المحاسبة الفورية والشعبية أكثر من أن أكثر الكلمات انتشارًا على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي اللبنانية هي كلمة "المشانق". في دعوات على غرار:" لن يشفي غليل كل لبناني اليوم الا تعليقكم جميعا على مشانق بيروت" و" علّقوا مشانق المسؤولين الفاسدين قبل ما تدفنوا أوّل شهيد." و" صار بدها مشانق.الإعدام لكل مسؤول أهمل القضية وتسبب بما حدث." و"لا نريد استقالات ولا نريد لجان تحقيق، نريد المشانق" و" المشنقة لبدري الضاهر على أنقاض المرفأ، والمشانق لكل من غطّى عليه سياسيّاً".

فيما أكد رئيس الحكومة اللبناني حسان دياب  بأنّ "ما حصل لن يمرّ من دون حساب، سيدفع المسؤولون الثمن، وهذا وعد للشهداء والجرحى. ستكون هناك حقائق تُعلن عن هذا المستودع الخطير الموجود منذ عام 2014"، مُضيفاً أنّه "لن أستبق التحقيقات فالوقت الآن للتعامل مع الكارثة. لكن أعدكم أنّ هذه الكارثة لن تمر من دون مسؤولية ومسؤولين عنها". وفيما كلف رئيس الجمهورية لجنة تحقيق بالاسباب التي ادت الى وقوع كارثة الانفجار التي حصلت في مرفأ بيروت ورفع نتيجة عملها الى المراجع القضائية المختصة في مهلة اقصاها 5 ايام من تاريخه، على ان تتخذ اقصى درجات العقوبات بحق المسؤولين. 

 

لكن يبدو واضحًا أن لا وعودات المحاسبة ولا الاعلان عن لجان التحقيق ستشفي غليل اللبنانيين. وأن المحاسبة الفورية والمكشوفة لكل مسؤول هي المطلب الوحيد، بل قد تطال طلبات المحاسبة كل الطبقة السياسية اللبنانية. وبيروت التي تشيع شهداءها اليوم وتبكيهم بعيون من نقمة وغضب تتحضر لتعليق المشانق في الساحات غدًا.

أخبار ذات صلة