news-details

كلمة الاتحاد| "الاتحاد" تضيء الشمعة الـ 77

أضاءت صحيفتنا "الاتحاد" أمس الخميس، الـ 14 من أيار، شمعتها الـ 77، لانطلاقتها الأولى في العام 1943، ناطقة بلسان عصبة التحرر الوطني، التي ضمت الشيوعيين الفلسطينيين في تلك المرحلة، في فترة من أشد الفترات حلكة على شعبنا الفلسطيني في وطنه، إذ تصاعدت وتيرة حبك المؤامرة الصهيونية مع الامبريالية العالمية، والرجعية العربية.

ولدت "الاتحاد" في عذابات المؤامرة على فلسطين، ناطقة بلسان عصبة التحرر الوطني، التي ضمت الشيوعيين الفلسطينيين في العام 1944، فكان يوم 14 أيار من ذلك العام، يوم مولدها الأول.

أسسها المؤرخ والمفكر الفلسطيني الشيوعي إميل توما، وتحلقت من حولها أسماء سجلت تاريخا أدبيا وثوريا في مسيرة الشعب الفلسطيني، الشاعر عبد الكريم الكرمي، ابو سلمى، والكاتب إميل حبيبي، الذي بات لاحقا رئيس تحريرها لأربعة عقود، وتبعتهم أسماء لامعة، وواجهت خطر الاغلاق في ظل النكبة، ولكن الشيوعيين تمردوا وناضلوا لأجل استمرارها، وكانت في سنوات الخمسين والستين، الحاضنة لأدب المقاومة الأول بعد النكبة، لأسماء باتت رمزا لشعبها، توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران، إلى جانب من سبقهم، إميل توما وإميل حبيبي.

كان المحرر المسؤول للصحيفة حتى العام 2011، الرفيق والقائد توفيق طوبي. ومنذ العام 2011 فإن المحرر المسؤول للصحيفة هو الرفيق والقائد والكاتب محمد نفاع.

بعد العام 1948 باتت صحيفة الاتحاد، صحيفة الحزب الشيوعي باللغة العربية، واستمرت هذه الصفة، حتى العام 1992، الذي دخل فيه حيز التنفيذ قانون يمنع الأحزاب من أن تملك صحيفة يومية، وتعتمد على صدورها بالإعلانات، وتدير مشروعا تجاريا لضمان صدورها. لتتحول ادارتها إلى شركة، وهي مستمرة بهويتها الفكرية والسياسية.

صدرت الاتحاد كصحيفة أسبوعية كل يوم جمعة، وفي سنوات الستين من القرن الماضي بدأت تصدر مرتين أسبوعيا، الثلاثاء والجمعة، وترتكز في توزيعها على كوادر الحزب الشيوعي.

وفي 14 أيار 1983 تحولت "الاتحاد" إلى صحيفة يومية.

لوحقت الاتحاد ومحرروها أيام الحكم العسكري وبعده، وتم منع صدورها مرارا في سنوات الخمسين والستين. وإبان عدوان حزيران 1967، جرى اعتقال غالبية محرري الصحيفة، فهبّ عدد من الكتاب للمساهمة في تحريرها، ومنع توقفها.

كانت قراءة الاتحاد وتوزيعها، "تهمة" من بينهم "تهم" كثيرة في أعين الحكم العسكري، لملاحقة الوطنيين من جماهيرنا، بما يتضمن هذا من اعتقالات ونفي إلى مناطق أخرى بعيدة عن أماكن السكن، وذريعة لقطع الأرزاق، ونذكر موجة فصل غالبية المعلمين الشيوعيين والوطنيين من جهاز التعليم، في منتصف سنوات الخمسين.

كان "للاتحاد" دور مركزي وأساسي في بلورة جيل ما بعد النكبة، الذي رفض رهبتها وإرهابها وتمرّد عليها، وهبّ على مدى السنين ضد الحكم العسكري وبطش المؤسسة الحاكمة وسياساتها العنصرية، ليسجل الذروة الأولى بقيادة الحزب الشيوعي في يوم الأرض الخالد في 30 آذار العام 1976. 

الحملة ضد "الاتحاد" استفحلت إبان انتفاضة الحجر الفلسطينية، التي انطلقت في نهاية العام 1987، وجرى حظر الجريدة مرارا، إضافة إلى شطب مواد فيها، بوتيرة عالية. وجرى في العام 1988 حظر صدورها أسبوعا كاملا، كما طال الامر العسكري مطبعتها.

منذ الأيام الأولى لاحتلال العام 1967 تم حظر دخول "الاتحاد" لكافة المناطق الفلسطينية المحتلة في ذلك العام، باستثناء القدس، التي فرضت عليها ما تسمى "السيادة الإسرائيلية".

وكانت الأحكام العسكرية تقضي بفرض السجن لعام كامل، على من تضبط معه صحيفة الاتحاد في الضفة وقطاع غزة، إلا أن الصحيفة كانت تدخل الضفة عن طريق التهريب.

استمر حظر دخول "الاتحاد" إلى الضفة وقطاع غزة المحتلين، حتى بحر العام 1994، واضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى الغاء أنظمة الطوارئ المفروضة على الاتحاد، بعد أن باشرت الاتحاد بالتحضير لرفع دعوى امام المحكمة العليا، مستفيدة من القوانين التي رافقت المصادقة على اتفاقيات أوسلو.

باتت "الاتحاد" على مدى عشرات السنين، الصحيفة التي حملت الموقف السياسي الوطني للجماهير الفلسطينية التي فلتت من نير النكبة وبقيت في وطنها، وكان عنوان موقف هذه الجماهير، لشعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.

كما باتت مدرسة للصحافة الوطنية، والكلمة الثورية المقاتلة، تحمل رسالة العدالة الاجتماعية، وحرية الشعوب، وفي مقدمتها، تحرير شعبنا الفلسطيني من نير الاحتلال، ومن أجل قيام دولته المستقلة، ذات السيادة، وعاصمة القدس، وعودة اللاجئين إلى وطنهم، واللاجئين في وطنهم إلى قراهم واراضيهم.

في السنوات الأخيرة، واجهت الاتحاد أزمات مالية، بفعل أزمة الصحافة الورقية العالمية، وسعت إلى الحداثة، في ظل موارد متواضعة، مصدرها الأساسي شعبها الذي يحميها. وفي اطار السعي لاستمرار صدورها، فإنه ابتداء من مطلع نيسان العام الجاري 2020، عادت الصحيفة الورقية لتصدر حاليًا يومين أسبوعيا. وبموازاة ذلك يتم تعزيز موقعها الالكتروني، الذي نسعى بمواردنا المتواضعة، أن يكون عنوانا إعلاميا سياسيا اجتماعيا، وأدبيا، يحمل فكر ورسالة الاتحاد، وسط مساعي للتطوير الدائم.

 

هوية وانتماء

في يوم السنة الرابعة على صدورها، ضربت نكبة شعبنا بقوة أكبر، بإعلان قيام إسرائيل وفق قرار التقسيم، وسط مؤشرات على مخطط لمنع إقامة الدولة الفلسطينية وفق هذا القرار، وبعد ذلك الإعلان شرعت العصابات الصهيونية في حربها الأشرس والأوسع، لاحتلال المناطق التي خصصت للدولة الفلسطينية أيضا، وصعّدت مجازرها وتهجير أصحاب الوطن وتدمير 531 قرية من قرى وبلدات فلسطين العامرة، ليقرر الشعب الفلسطيني أن يوم ذكرى النكبة يحل في مثل هذا اليوم الـ 15 من أيار.

كان للاتحاد دور بارز وهام، إلى جانب سائر الصحافة الشيوعية، مثل مجلة "الجديد" الثقافية، ومجلة "الغد" الشبابية ومجلة "الدرب" الفكرية، في حماية اللغة العربية في المجتمع الفلسطيني، من "عبرنة" لغته. إلى جانب ترسيخ مفاهيم الانتماء للهوية الوطنية الفلسطينية.

ومن مؤشرات هذا الدور العظيم للاتحاد والاصدارات الشيوعية في البلاد، كان دور الصحيفة في التجنيد لأول انتفاضة فلسطينية قادها الشيوعيون ضد الأسرلة، انتفاضة الأول من أيار العام 1958. فقبل ذلك اليوم، بيومين حاول الحكم العسكري أن يفرض على مدينة الناصرة ما تسمى "احتفالات الذكرى العاشرة للاستقلال". وانتفض الشيوعيون وخرّبوا احتفالهم، واستمرت المواجهات، الى يوم الأول من أيار، حينما حاول الحاكم العسكري مسيرة الشيوعيين احياء للأول من أيار في المدينة، فاتسعت المواجهات، ومن الناصرة امتدت أيضا لأم الفحم، وكانت الحصيلة إصابات بين المتظاهرين، ولكن أيضا في صفوف الشرطة وضباطها، وتم الزج بمئات الشيوعيين في المعتقلات، وفرضت على 400 منهم أحكام متفاوتة بالسجن.

في يوم 29 نيسان 1958، صدرت "الاتحاد" تحمل عنوان: "احتفال" "الاستقلال" تغيبه مظاهرة الناصرة القومية، ويشرح الخبر كيف تصدى الشيوعيون لذلك "الاحتفال، وذكرت الصحيفة منشورا أصدرته منطقة الناصرة للحزب الشيوعي وكان بعنوان: من تحت زينة الخنوع يرفع شعبنا رأسه ويشدد نضاله من أجل حقوقه العادلة. وقد ناشد المنشور أهالي الناصرة الذين صمدوا أمام التجارب، بالحفاظ على شعلة تحرر شعبهم والسلام، وأن يرفضوا طأطأة رؤوسهم تحت "زينة الخنوع"، يقصد "الزينة" التي فرضها الحكم العسكري على المدينة.

في الذكرى الـ 72 لنكبة شعبنا، فإن مهمتنا هي الحفاظ على التفاؤل الثوري والإصرار على تطبيق حقوق شعبنا الفلسطيني العادلة في وطنه وعلى وطنه، بزوال الاحتلال، ومن أجل الحرية والاستقلال والعودة. وعدم فسح المجال أمام كارثة التشاؤم أن تسيطر على أجواء شعبنا، رغم كل الظروف السوداوية التي تحيط به، وحالة البؤس التي يعيشها.

أخبار ذات صلة