news-details

 د. شرف حسّان: يجب تعويض كافة الطلّاب وعدم افتراض سير العملية التربوية على طبيعتها؛ خصوصا أن المصاعب أكبر في مدارسنا

//مقابلة خاصة بـ"الاتحاد" مع د. شرف حسّان، رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي

 

تسود مجتمعنا العربيّ حالة من الضبابية في ظل أزمة جائحة كورونا، والتي غزت شارعنا بكثافة عالية في الآونة الأخيرة ممّا ستلزمه مضطرًا أن يدفع ثمنًا فادحًا ومخيفًا جراء عدم الجهوزية التامة لمواجهة الأزمة، والتقصير الحكومي الذي يرافقنا منذ سنوات وبدأ يتعرّى أكثر مع تفاقم الأزمة والإعلان عن حالة الطوارئ.

ولا شك أن تزامن تفشي الوباء في بلداتنا العربية مع العودة التدريجية إلى المدارس يشكّل عبئًا، وقد يكون خطرًا في ظلّ ما يلمسه الشارع من تخبطات وفوضى، خاصة وأنّنا على أعتاب شهر رمضان، ولهذه المناسبات سمات اجتماعية خاصّة قد تؤجج لهيب ما نقاسيه. كلّ هذه التساؤلات حول مصير المجتمع العربي مع عودة طلابنا للمدارس، تحديات، صعوبات وجاهزية المدارس لإيواء طلابنا من جديد يجيبنا عليها رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم الدكتور شرف حسّان.

 

"الاتحاد": في البداية، ما هو المقترح الّذي تعنى به أو تطرحه الوزارة، وكيف يشكّل هذا الأمر عائقًا أمام الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة وطاقم التدريس نفسه؟

 

حسّان: مقترح وزارة التربية والتعليم يعنى بإعادة طلاب التربيّة الخاصة نهاية الأسبوع الجاري، وحسب قرارات الحكومة يمكن فيما بعد إعادة طلاب الرّوضات والصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية بشكل تدريجي وجزئي في برنامج خاص. الحكومة هي التي تقرر ذلك، كل هذا بهدف عودة الحياة الى طبيعتها بالذات من ناحية اقتصادية، بسبب الضغوطات الملقاة في هذا المجال. ولكن بالنسبة إلى مجتمعنا العربي هنالك إشكال كبير أشرنا إليه في اجتماع خاص، حيث استمعنا إلى توصية لجنة الصحة القطرية المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، والتي أشارت بدورها إلى أن الفيروس وصل إلينا متأخرًا عن الوسط اليهودي، وتشهد بعض القرى الآن انتشارًا واسعًا للمرض، وأن هنالك نقص في المعلومات فهي ليست كاملة، ولبناء صورة الوضع وحقيقته، يجب التريث لمدة أسبوعين بما يشمل جميع الفئات، حتى تتضح الصورة أكثر ولتقييم الوضع وإعادة الطلاب إذا كانت هناك خطة تضمن صحتهم وسلامتهم في المدرسة مع طاقم التدريس.

وبالنسبة لطلاب التربية الخاصة، يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ هنالك إشكالا، بالنسبة للوضع في مجتمعنا كما ذكرت آنفًا، ولكن ممكن تفهم وتقبل عودة الطلاب مع احتياجات علاجية خاصة إلى أطر علاجية كي لا يسبب الانقطاع عن العلاج الخاص أذى وضررا كبيرين، وطبعًا ليس كما تقترح وزارة التربية والتعليم ببرنامجها الذي يقول أنّه يجب عودة جميع طلاب التربية الخاصة بما في ذلك الموجودون ضمن أطر خاصة بهم أو طلاب الدمج، لما ينقصهم من عدّة أقسام، وبسبب احتياجاتهم مختلفة، لذا ممكن التريث مع قسم كبير من هؤلاء الطلاب.

 

"الاتحاد": أية تحديات وصعوبات يواجهها المجتمع العربي ذو السمات والاحتياجات الخاصة مع اتخاذ قرار العودة إلى المدارس، وما مدى جاهزية المدارس للعودة؟

 

حسّان: هنالك عدّة تحديات، بداية هل المدارس العربية لديها جاهزية لاستقبال الطلاب من ناحية ضمان توصيات وزارة الصحة كالنظافة والتعقيم وغيرها من الأمور الأساسية؟، هذا الأمر غير واضح، خاصة أن الكثير من السلطات العربية المحليّة تعاني من مشاكل مالية بعد تراجع إيراداتها من الضرائب، وكذلك بسبب عدم إعطاء حلول من قبل الحكومة، وهنالك مصاريف إضافية قد تثقل كاهل السلطات المحلية، لذلك هنالك شك في أن تكون المؤسسات جاهزة لاستقبال الطلاب.

هنالك تحديات أخرى بالنسبة للمعلّمين، قسم منهم ممكن أن يكونوا في مجموعات الخطر من ناحية الجيل، او يعانون من أمراض مزمنة، هنالك إشكاليات خاصة مع عودة جميع الطلاب وليس جزءا منهم. هناك صعوبة في تطبيق التوصيات، حتى لو كان هنالك 3 طلاب في المجموعة، فهل يتم فعلًا ضمان التباعد الجسدي بين الطلاب؟ هناك الكثير من الانتقادات والمشاكل المتوقعة التي يطرحها المعلمون والمعلمات في التربية الخاصة كذلك.

أعتقد أنّه يجب على الحكومة الاصغاء جيّدًا لهذه الادعاءات وكلّ ما يتعلق في مجتمعنا العربي كما طلبنا على مدار الأزمة، بأنّه يجب إشراك مندوبي المجتمع العربي ولجانه الخاصة بكل ما يتعلق بخطط عودة الطلاب العرب.

 

"الاتحاد": أثبت التعلّم عن بعد فشله في المجتمع العربي بسبب عوز آليات هذا التعلّم من وسائل اتصال كالحواسيب وأيضًا افتقار بعض المناطق للبنى التحتية والانترنت الأمر الذي يحول دون قطع هذا التواصل وخسارة الطلاب، والاشكالية في الفوارق الاقتصادية والاجتماعية من ناحية عدد الأولاد في المنزل وأيضًا من ناحية المضامين التي يتم تمريرها، كيف سيتم جسر هذه الفجوة المعرفية والتعليمية ما بعد الأزمة، خاصّة وأنّها كانت متجذرة من قبل وهذا ما أثبتته نتائج البيزا!

 

حسّان: بالنسبة للتعلّم عن بُعد، هنالك إشكال في كيفية تطبيقه اليوم، أوّلًا بسبب افتقار قسم كبير من الطلّاب لغاية الآن لأجهزة الحواسيب وبالتالي ليس لهم أي علاقة بعملية التعلّم عن بُعد، وهم حوالي 140 ألف طالب عربي، بالإضافة إلى طلاب يعيشون في قرى مسلوبة الاعتراف، أو في أماكن وقرى بدون بنى تحتيّة أو تعاني من مشاكل اتّصال أخرى.

يضاف الى ذلك الصعوبات الأخرى المتعلقة بدور الأهالي خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة، حيث أنهم يجب أن يكونوا شركاء لنجاعة عملية التعلم عن بُعد حتّى بعد توفر الأجهزة.

أشرنا الى الكثير من الفجوات مثلًا بين ما قدّم للعرب وما قدّم لليهود، وقد تحسّن الوضع فيما بعد، ولكن خلال

اول أسبوعين كانت هنالك فجوة واضحة، وكانت كذلك جهود لتحسين الوضع ولكن سنتابع الأمر، فلا يوجد معطيات واضحة بالذات بسبب عطلة الربيع في الآونة الأخيرة.

هذه المشاكل الأساسية في قضية التعلم عن بُعد، واضح أن التعلم عن بعد ضمن ظروف تجمع البيوت العربية فيها عدة أولاد في البيت الواحد، فلا يوجد أجهزة للجميع، يخلق ضغوطات نفسية كبيرة على الأهالي. ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن المعلمين والمعلمات العرب لم يُحضّروا كما يجب لقضية التعلم عن بُعد، وتجهيزات البلدات العربية ليس كما الوسط اليهودي، بالذات أن قسما من هذه التجهيزات متعلق بميزانيات إضافية من السلطات المحلية، فالسلطات المحلية اليهودية تعطي أكثر من ميزانيتها الخاصة لتجهيز المدارس بمعدات محوسبة، ولكن في مجتمعنا العربي الوضع ليس كذلك.

ومن ناحية الارشاد كذلك، لا يوجد مفتش عربي لموضوع الحوسبة منذ عدة سنوات بعد خروج المفتش السابق للتقاعد، لم يعين مفتش عربي بعده، وهذا له أثره على مدى جاهزية المدارس العربية لاستعمال الحوسبة وتذويتها في العملية التربوية، والتحضير لحالات الطوارئ والتعلّم عن بُعد.

كل هذه الأمور لها تأثيرها على الوضع الذي نشأ فيما بعد، هنالك مدارس مجهزة أكثر ومدربة على استعمال الحوسبة في الحياة التعليمية ليس كمدارس أخرى، وهذا ما حذرنا منه سابقًا وما زلنا، اننا دخلنا مع فجوة واضحة بين العرب واليهود وأيضًا بين أبناء الطبقات الفقيرة والوسطى وما فوق، وبالتالي هذه الأزمة وللأسف الشديد ستعمّق هذه الفجوات.

 

"الاتحاد": ما الخطوات التي تقوم بها لجنة متابعة التعليم لحلّ المعضلات الّتي تواجه مجتمعنا، خاصة فيما يتعلّق بالنقب والقرى غير المعترف بها؟

حسّان: من المهم الإشارة لدور لجنة متابعة قضايا التعليم، فمنذ البداية قمنا بإجراء مسح أولي لوضع الحواسيب عند الطلاب وأثرنا هذه القضية بقوّة بشتّى الوسائل، زوّدنا معطيات حول نقص الحواسيب لدى الطلاب في السلطات المحلية، أثرنا هذه القضية في الإعلام كذلك، بالإضافة الى رسائل مباشرة لوزارة التربية والتعليم، وأثرناها بعدة اجتماعات. وقد طُرحت من قبل الرؤساء العرب واللجنة القطرية، النواب في لجنة التربية والتعليم في الكنيست، وأيضًا توجهنا بواسطة مركز عدالة إلى وزارة التربية والتعليم بمسار قضائي حيث تم تقديم التماس بالنسبة للقرى غير المعترف فيها في النقب، وحسب الإشارات التي تصلنا من مسؤولين في وزارة التربية والتعليم أنه هناك ميزانية تم إقرارها مؤخرًا حول قضية الحواسيب. نحن نأمل أن يكون الحل الذي يتبلور الآن في وزارة التعليم يسد الاحتياجات متع أنه جاء متأخرًا كثيرًا، ولكنه مهم، ونحن نبارك إذا كان المقترح سيفي بالغرض، والآن ننتظر الرد الرسمي لتوزيع حواسيب على الطلاب، لكي نقيم هذه الخطة ونبدي رأينا فيها بشكل رسمي، ولكن أي تقدم يحدث نحن نشجعه.

ولا بد من الذكر، أنّنا أصدرنا منذ البداية عدّة تقارير ومشروحات، ووفرنا معطيات وتواصلنا تقريبًا بشكل يومي مع وزارة التربية والتعليم حو المشاكل التي وجدت، وعالجناها بعدة قنوات، أحيانًا بتوجه مباشر للمسؤولين في الوزارة وأحيانًا برسائل رسمية، أو بالضغط من خلال النواب العرب الذي زودناهم بالمعطيات وأوراق العمل ومواقفنا حول شتّى الأمور، وكلّ ذلك بالتنسيق مع لجنة الرؤساء ومع مديري أقسام التربية والتعليم ومع اللجنة القطرية للأهالي، عملنا معًا وبتنسيق كامل من أجل الضغط وإيجاد حلول. وهنالك قناة أخرى وهي القانونية، حيث زودنا الجمعيات القانونية بالمعلومات ومن المسارات التي عملنا ضمنها هو بالتوجه من خلال مركز عدالة عدة مرات لطرح المشاكل وحلها.

الأزمة الحالية تلزمنا متابعة الأمر بشكل يوميّ، وكل هذا تقوم به لجنة متابعة التعليم بشراكة واسعة مع متطوعين ومختصين عرب تربويين، ومسؤولين في السلطات المحلية، وبالتنسيق مع لجان مختلفة.

 

"الاتحاد": بمَ توصي الأهل والطلاب سويّة لتجاوز هذه الأزمة بأقل أضرار ممكنة صحيّا وتعليميًّا؟

 

حسّان: بالنسبة للعودة الى الدراسة، بعد انتهاء الأزمة، طبعًا نتمنى السلامة والخير للجميع، وأن يعود الطلاب حينما تكون الظروف مناسبة، ولكن ما نطالب ونوصي به هو تعويض الطلاب، وعدم الافتراض ان العملية التربوية سارت كما يجب لدى الجميع، والمتابعة من حيث التعلم عن بُعد، يجب الافتراض ان هناك قسم كبير من الطلاب كان منقطعًا عن التعليم، لذلك، يجب بناء خطة مرحلية لتعويض الطلاب وجسر الهوّة بينهم، وأيضًا لمعالجة الآثار النفسية لهذه الفترة، منها بسبب الأزمة والخوف من المرض أو بسبب الوضع الاقتصادي، وهنالك معطيات مقلقة بالنسبة لمؤشرات ارتفاع نسبة العنف في المجتمع بسبب كل الضغوطات، لذلك يجب أن تكون هناك خطة واضحة للمدارس العربية لاستيعاب الأمر والطلاب والاهتمام بصحتهم النفسية أوّلًا والاجتماعية، ووضع خطط تعليمية والاستعداد بمتابعة التعلم.

وبالنسبة الى نصيحتي للأهل فالقضية الأساسية هي الصحة النفسية للأطفال في هذه المرحلة، القضية التعليمية يمكن ان تعوض، ولكن قضايا الصحة النفسية والصحة عمومًا هي قضايا أكثر مركبة ويجب إعطاؤها أهمية في هذه المرحلة وعدم الخضوع للضغوطات المختلفة، بل مواجهتها وبحكمة.

ونحن نقترح على المدارس فيما بعد أن تقوم بمعالجة الأمور التعليمية لجسر الهوة، نقترح ان يتم استغلال الوقت بشكل جدي، ليس فقط من خلال منظومات التعلم انما يمكن استثمار الوقت بشكل تعليمي لا يقل أهمية وجودة من أي تعلم في المدرسة مثل الكتابة، المطالعة والمحادثات العائلية العميقة، كل هذه القضايا يمكن أن تثري الطالب وهي جزء من عملية التعلم وقد يكون لها أثر كبير وإيجابي لزيادة الثقافة العامة، توسيع الآفاق، التعرف على ما يجري في العالم وتقوية العلاقة داخل العائلة، هنالك الكثير مما يمكن فعله في هذه المرحلة وليس فقط التعلم من خلال مقترحات الوزارة، قد تكون أمور أخرى مجدية.

(مريم أبو الهيجاء)

أخبار ذات صلة