news-details

الفنان عبد عابدي يثمن حصوله على جائزة فلسطين للفنون: انجاز أقلية بقيت صامدة في وطنها

فاز الفنان التشكيلي الفلسطيني ابن مدينة حيفا، عبد عابدي بجائزة فلسطين للفنون للعام ‏2019، على عطائه وإبداعه طوال عقود من ‏النشاط الفني المميز، الذي رافق نضالات ومسيرة شعب بأكمله، وخاطب الفلسطينيين بشتى مناطق تواجدهم، في الوطن والشتات ‏وبمخيمات اللجوء.‏

فهو الفلسطيني الذي عاش اللجوء، والعودة الى الوطن، وشعر بالوطن، هو الفنان ذو الحس الوطني، الذي ينقل بريشته وبلوحاته ‏الوجدان الفلسطيني الشامل.‏

عند الحديث عن فوز عابدي بجائزة فلسطين للفنون لا بد من التطرق أولًا لكونه أول فلسطيني يدرس الفنون البصرية بشكل مهني، في ‏ألمانيا، قبل أن يعود الى الوطن ليبدأ مسيرته الفنية التي تحاكي تاريخ وهموم الشعب الفلسطيني، ولعل الوصف الدقيق للانجازات ‏والأعمال الفنية التي حققها عابدي، تنبع من السؤال الأول الذي يخطر على بال طفل صغير وجد نفسه بين ليلة وضحاها في مخيم ‏لاجئين في جنوب لبنان، فيؤكد "هذه الاعمال في بالواقع تعبير عن مشاعري كطفل تساءل ماذا حل بنا من أيام النكبة الأولى والتشتت ‏من مخيمات اللاجئين"، ابتداء من مخيم اللاجئين المية ومية قرب صيدا ثم في الكرنتينا، وبعدها التهجير الى قرية مرجعيون في ‏جنوب لبنان قبل العودة الى الوطن، الى حيفا.‏

يؤكد عابدي في حديثه لصحيفة "الاتحاد" أنه "كطفل أدركت أننا في قرية ليست بلدنا وقعدنا هناك عدة أشهر حتى طلب منا مختار ‏القرية أن نترك القرية لأنه لم يتبق من المال ما يكفي ليدعم بقاءنا في القرية... فقد تم تهجيرنا وقذفنا الزمان من مكان الى مكان. لا شك ‏أن قصة التهجير تركت أثرًا كبيرًا عليّ كطفل عائد الى الوطن والى حيفا... كنت أتساءل أين نحن؟ لماذا تحولنا الى أقلية.. اين ‏العائلات التي كنت أنتمي لها. اعمالي كلها كانت تحاكي الهواجس التي رافقتني طوال سنين عديدة"..‏

يعتبر عابدي الجائزة تأكيد على تقدير واحترام لانجازاته الكثيرة، بل وأكثر من ذلك، فهي "ليست انجازاتي وحدي بل انجازات أقلية ‏كانت مهدودة بعد الـ48،  أقلية كان عدد سكانها لا يتعدى 120 ألفا من الفلسطينيين الصامدين الباقين في وطنهم".‏

كان عبد عابدي أول فنان تشكيلي فلسطيني من الداخل يشق طريقه في المجال، خصوصًا بعدما درس الفنون في مدينة درزدن ‏الألمانية، طوال ستة أعوام ، ليعود بعدها ويباشر بالعمل الفني في صفوف صحيفة "الاتحاد"، الى جانب الأعمال الخاصة، ليصبح ‏رائدًا من رواد الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر، ولعله بذلك ساهم بانشاء مدرسة فنية جديدة في البلاد، الفن البصري التشكيلي ‏المعاصر.‏

فقد كان من أولى الأعمال التي عمل عليها في العام 1978، سنة واحدة بعد أحداث يوم الأرض، انشاء النصب التذكاري الضخم ‏لذكرى يوم الأرض في سخنين، بالتعاون مع الفنان اليساري التقدمي جيرشون كنيسبل.‏

يرى عابدي أن مسيرته الابداعية واكبت ولا بد لها أن تواكب الأحداث الفكرية والأدبية الى جانب الاحداث السياسية الاجتماعية ‏وطرح العديد من الأسئلة للمتفرج والمتلقي لهذه الأعمال. ‏

يحدثنا عابدي عن بداية دربه مع الفنون، "بتواضع وخجل أذكر أني كنت أول من درس الفنون كدراسية أكاديمية واليوم أنا أمام ظاهرة ‏مثيرة ويسعدني أن أرى الكثير من الفنانين العرب الفلسطينيين. في ذاك الوقت كنت الوحيد الذي تجرأ وذهب لدراسة الفنون البصرية ‏أكاديميًا وليس الطب أو الهندسة أو المحاماة، كما كان يرغب والدي على سبيل المثال. وهذا بحد ذاته انجاز شخصي. لكنه أيضًا انجاز ‏لجماهيرنا التي أبت الا أن تبقى صامدة في وطنها .. بهذه الحالة تغمرني سعادة عارمة بأن الشح الذي كان بعدد الفنانين والشعراء ‏والاطباء والكتاب والمحامين والمهندسين اليوم نحن بحالة أفضل أضعاف الأضعاف.. هذا يمنحني الشعور بأن مشروعي الثقافي حقق ‏نجاحًا باهرًا، على اعتبار أنه وبالرغم من كل العراقيل والبيئات غير المناصرة.. من والدي مثلا، الذي أراد لهذا الشاب (عابدي) أن ‏يدرس مواضيع أخرى ويعود حاملا شهادة طب على سبيل المثال، ولم يرق له أنه عاد حاملا شهادة فنون بصرية". ‏

ويضيف عابدي "هذه الجائزة ليست الا دعمًا لمسيرة ولأعمال جاءت لتعبر عن هواجس رافقتني منذ الصغر.. هذه الجائزة هي تكريم ‏يهدف الى رفع مكانة الابداع البصري كما هو الحال المشاركة في وضع بيئة حاضنة لابداعاتنا البصرية والادائية ان كان بمجالات ‏الفن والمسرح والموسيقى".‏

ويتابع "جائزة فلسطين للفنون ليست جائزة شخصية، ولا مجرد جائزة مسيرة حياة، وليست جائزة تقديرية لشخص فحسب بل ‏للمجموعة التي ينتمي لها هذا الشخص ويمثلها".‏

يثمن عابدي هذه الجائزة على وجه التحديد، فبعكس جائزة وزارة الثقافة الاسرائيلية التي حصل عليها في العام 2008، ليصبح أول ‏فلسطيني يحصد هذه الجائزة، لأن هذه الجائزة مقدمة له عرفانًا لفنه وابداعه "من 12 مليون فلسطيني، من الشعب الفلسطيني بجميع ‏أطيافه وأماكن تواجده، وليس مقدمة من السلطة الوطنية الفلسطينية فحسب، بل هي جائزة مقدمة باسم 12 مليون فلسطيني أنتمي لهم. ‏وطبعا الشق المهم بأن أكثر أقاربي بما فيهم اختي التي عمرها اليوم 95 سنة ولا تزال لاجئة بمخيم اليرموك في دمشق، فهذه الجائزة ‏تمثلها وأنا أمثلها. أمثل أحياء حيفا وبينهم حي وادي النسناس، والقرى المهجرة وكل ما يتركه أثر من غبن واضطهاد في هذه الدولة".‏

واعتبر عابدي، أن هذه الجائزة لا تقدم له وحيدًا، فهي جائزة تقدم أيضًا "للقوى العقلانية التقدمية في اسرائيل التي تشاركنا النضال ‏لأجل احقاق الحق. فقد ساهم على سبيل المثال جيرشون كنيسبل معي بانشاء ضريح يوم الأرض".‏

فوز عابدي بجائزة فلسطيني للابداع والفنون يحمل معاني كثيرة تتعدى القيمة المالية للجائزة المتمثلة بنحو 5 آلاف دولار، لتحمل معها ‏رمزية تطلق صرخة بوجه الاحتلال، ورسالة عمل عابدي على نقلها بفنه ولوحاته وأعماله حاملًا ذكريات وهموم شعبنا، رسالة تتسم ‏بالقيم الانسانية النبيلة، المطالبة بالعدل والمساواة لشعب لا زال يرزح تحت الظلم والاحتلال، بما فيها من جمالية مسهبة.‏

ويختتم عابدي بالتأكيد أن هذه الجائزة هي تعبير عن "انجازاتنا على أرض الواقع التي تعكس آمالنا لأجل مستقبل أفضل".‏

أخبار ذات صلة