news

إنتهازية بإمتياز!

لا يضيف "التجمع" شيئًا حين ينادي، في اللحظة الأخيرة، بوحدة الكراسي عشية الإنتخابات البرلمانية. فهو، من حيث التوقيت، يخرج من منطلقات "تجمعية" – وهي التي منها ينطلق النص المراوغ وبها يقوم – تحول دون طرح هذه المسألة – الوحدة – أو النظر فيها بجدية وعمق.

 

هذا أمر طبيعي. فالوحدة، بحسب المنطق الإنتخابي، هي وحدة الكراسي، وأنها شراكة، لكل حزب فيها حصة، أي مقعد في البرلمان، به تبقى الأحزاب، فتدوم. هذا وجه أول منها، هو وجهها التمثيلي الإنتخابي، يستعيده "التجمع" في نصوصه الأخيرة المتكررة. لكنه، فيما هو يؤكده، ينقضه. أو على الأقل يؤكد شيئًا آخر. فالمطلوب الآن وحدة. أما لماذا الآن، فالجواب مستتر. لكن الجواب كامن في المفهوم الإنتخابي: إنه، عمليًا، تأشيرة دخول "التجمع" الى البرلمان. أما في الواقع الفعلي، فهو غيره في المفهوم الإنتخابي. فلا الوحدة هي المطلب ولا الهدف. ولا هي الشراكة الحقيقية. ولا هي المصلحة العامة.

 

إذن، الكلام الزائد عن "الوحدة" لا يقصد الوحدة تحديدًا، إنما عينه على البرلمان. لذا وجب تمويه المسألة. فهذه وحدة بقناع وليست بقناعة. وأساسي للطرح أن يبقى بقناع، فإذا تعرّى، فقد مصداقيته وشرعيته، فيصيبه الشلل ويتعطل. لذلك فان "التجمع" حريص على نفسه، ولا غضاضة بأن يتقنّع من أجل مصلحته. هكذا تظهر المصالح الضيقة فيه مظهر الشراكة، وضمان المقعد مظهر الوحدة.

 

بسبب من هذه الإزدواجية، بين الوجه والقناع، الظاهر والباطن، المرئي والمخفي، لا يكون تفسير الطرح "الإنتخابي الوحدوي" ضروريًا كشرط من شروط المعرفة. ولا يذهب "التجمع" فيه، بالطبع. فهو، إن فعل، يفضح نفسه. أفضل له أن يبقى ضمن لغة شعارات وضمن لعبة مكشوفة هي لعبة الكلام. هذه هي وظيفته. أو بالتحديد وظيفته الإنتخابية، من حيث إنه يريد ضمان الذات.

 

غير قابل للعقل هو هذا الطرح. كأن تقول بأن العمل التنظيمي والسياسي والفكري هو ممارسة للإنتهازية بإمتياز. فدائمًا أنا ضدك. أحاربك في كل المواقع المتاحة وغير المتاحة. ومرة، عشية الانتخابات، أنا معك. هكذا فجأة. أنا معك. ليس مهمًا انني، كتجمع، لا أرى بأحد بديلاً عنه على الساحة السياسية غير الجبهة. هذا ليس بالمهم. المهم أن تضمن لي الكرسي. بعدها نعود ونحاربك ونصفك بأقذع الكلمات، من الإندماج الى الأسرلة الى التدجين.

 

هذا الأمر يستلزم فهمًا آخر للسياسة، فهمًا آخر للعمل بين الأحزاب. ونحن، بطبيعة الحال، لا نريد أن يكون لنا حصة فيه لأننا، ببساطة، أصحاب مشروع، أصحاب طريق، أصحاب مبدأ نظيف، الى جانب أننا نؤمن بالأخلاق. نعم، الأخلاق في السياسة. هذا هو الفارق، وليس الفارق الوحيد!.