news

الاضراب التاريخي وثورة القسام، نيسان 1936

من احداث ثورة 1936 في يافا

 


في 23-9-1928 اندلعت الشرارة الاولى لثورة البراق، ومن اهم نتائجها المعروفة كان اعدام المناضلين فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد شمشوم. كانت الثورة عارمة وشملت كل انحاء الوطن.
في 20-4-1936 تألفت اللجنة القومية في يافا ودعت الى الاضراب العام في البلاد، وكان ذلك ايذانا ببدء الاضراب التاريخي وثورة 1936 ونشاط عز الدين القسام.
لا شك أن الاحداث التي شهدتها البلاد بعد ثورة البراق  أدت الى ضرورة تنظيم أقوى لقيادة النضال. وقد بدأت  تظهر  الاحزاب منها حزب الاستقلال في 8/1932، حيث رأى في الاستعمار العدو الرئيسي الذي يجب النضال ضده،  واعلن عدة مواقف أخرى منها إيقاف بيع الأرض وإيقاف الهجرة الى فلسطين والاستقلال نفسه، إلا أن هذا الحزب فشل تنظيميا رغم نشاطه الاعلامي بين الناس.       
الغليان ومعاداة بريطانيا والصهيونية كانا سيدي الموقف بين الجماهير الفلسطينية فسارت المظاهرات الجماهيرية في مدن مختلفة واصطدمت مع قوات الاستعمار البريطاني واستمر الوضع لفترة طويلة. وفي أعقاب ذلك أرسلت الحكومة البريطانية ولأول مرة مندوبا عنها للتحقيق في أوضاع البلاد، وبدوره قدم وليام مايرسون تقريرا الى حكومته جاء فيه أن "العرب للمرة الأولى يهاجمون الحكومة".
ظهرت بعد حزب الاستقلال أحزاب أخرى منها حزب "الدفاع الوطني" برئاسة  راغب النشاشيبي وكان هذا معروفا  بالتهادن مع الاستعمار البريطاني، والحزب العربي الفلسطيني برئاسة جمال الحسيني ونال تأييد جماهير الفلاحين.
كما ظهر حزبان آخران "حزب الاصلاح" الذي تأسس سنة 1935 برئاسة الدكتور حسين فخري الخالدي، وحزب "الكتلة الوطنية" الذي تأسس في تشرين الأول 1935، وهذان الحزبان توجها الى المثقفين وأبناء الفئات الوسطى. كما كان قائما في هذه الفترة الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي نظم في صفوفه يهودا وعربا وناضل ضد الاستعمار والصهيونية.
في 20/4/1936 تألفت اللجنة القومية في يافا ودعت الى الاضراب العام في المدينة والبلاد. كان هدفها كما أعلنته في بيانها ابداء سخط الشعب العربي الفلسطيني على خطط سلطة الانتداب الفاسدة "التي يقصد منها ابادة العربي في بلده العربي".
ولكن هذا الاضراب الذي أصبح شاملا واستمر اسبوعا بعد اسبوع ولّدَ طاقات ثورية لم تخطط لها القيادة التقليدية، ففي خضمّ الزخم  الثوري اضطرت الى التكاتف واقامت اللجنة العربية من زعماء الاحزاب التقليدية برئاسة الحاج أمين الحسيني.
وخلال أيار 1936 عقد الطلاب والتجار والفلاحون اجتماعات ومؤتمرات،  أكدوا فيها تأييدهم للمطالب القومية المعروفة،  ودعوا الى مقاطعة البضائع الانجليزية. وكذلك أعلن مؤتمر اللجان القومية العصيان المدني ودعا الى الامتناع عن دفع الضرائب. وتألفت فرق الحرس الوطني في المدن لتشرف على الاضراب  ومع ذلك بدأت اصطدامات مسلحة مع قوات الانتداب أدت الى وقوع قتلى وجرحى وأقنعت القوى الشعبية بضرورة النضال المسلح.
وكالعادة البريطانية فقد حاولت السلطات استخدام التلويح بلجنة ملكية "تدرس الأوضاع وتقترح الحلول" وبنفس الوقت اللجوء الى البطش والعنف الامبريالي منها مثلا  نسف الأحياء والبيوت في يافا بحجة اطلاق النار منها، وفرض الغرامات ومنع التجول والتطويق والتمشيط البري. ومع كل هذا فقد انضم الى الثورة عدد من القوميين من البلاد العربية وخاصة سوريا.
لا بد أن نذكر هنا ان فكرة الثورة المسلحة أطلقها الثائر الشهيد عز الدين القسام، الذي ولد في قرية جبلة قضاء اللاذقية في سوريا، وتعلم في الأزهر، وقاتل ضد الفرنسيين في ثورة جبل حوران 1919-1920. وحُكم عليه بالإعدام فهرب الى فلسطين، وأقام فرقة مسلحة، وفي ليل 12/11/1935 خرج الى جبال جنين مع فرقته، ولم يكن هدفه إعلان الثورة المسلحة في هذا التاريخ، ولكنه اصطدم عرَضا مع فرقة من الجيش البريطاني، وأدى ذلك الى استشهاده والقضاء على فرقته. وشيع جثمانه الى الياجور /بلد الشيخ (قرب حيفا). وتحولت جنازته الى مظاهرة قومية. وكان الذين اشتركوا في الجنازة من الفقراء الذين حملوا النعش وساروا على أقدامهم الى الياجور.
لكن دعوة عز الدين القسام الى النضال المسلح لم تمت. ولعبت دورا في بدء الثورة المسلحة ضد الانتداب البريطاني. وفي صباح يوم السبت 23 أيار 1936 اعتقلت السلطات البريطانية أعضاء اللجنة القومية في طولكرم. وسبب ذلك استنكارا عاما، وتقلد كثيرون السلاح واصطدموا مع قوة بريطانية كانت متوجهة الى نابلس، واستمر الاشتباك طوال النهار. وكانت هذه أول معركة مسلحة جرت قرب قرية بلعا. تحول الاضراب العام الى ثورة حقيقية. واستخدمت بريطانيا كل أساليب القمع الوحشية بما فيه أعمال تفتيش همجية وأحكام إعدام وهدم البيوت، وإعلان حالة الطوارئ. وكان القبض على عربي وبحوزته بندقية سببا للحكم عليه بالإعدام، وأعدم في سجن عكا شنقا 148 شخصا. وتقول بعض الاحصاءات ان القتلى من العرب زمن الثورة بلغ 5032 وعدد الجرحى 10476 والمعتقلين لمدد مختلفة أكثر من 50 ألفا. أما خسائر اليهود فبلغت 415 قتيلا.
بلغ أفراد الجيش البريطاني 20 ألفا وحوالي 5 آلاف من صفوف الهجانا للقضاء على الثورة.
وكما هي "العادة" فقد جاء "الفرج العربي" الرجعي، وهذه المرة من رئيس وزراء العراق آنذاك نوري السعيد الذي زار البلاد في 8/1936،  واجتمع بالمندوب السامي البريطاني واعضاء اللجنة العربية العليا،  ودعا الى وقف الاضراب على أساس أن تتوسط الحكومة العراقية مع الحكومة البريطانية لانجاز جميع مطالب العرب الفلسطينية المشروعة.
وفي 8/10/1936 أعلنت اللجنة العربية العليا أنها تسلمت برقيات من الملوك والامراء عبد العزيز آل سعود، ويحيى حمدان (اليمن)، غازي (العراق)، عبد الله (شرق الأردن)، تدعو "الى الخلود الى السكينة" وأكدوا أنهم يعتمدون في ندائهم  لحل الاضراب "على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل".
وفي 11/10/36 وزعت اللجنة العربية العليا بيانا ، بعد طلب الملوك والرؤساء العرب، يطلب إنهاء الاضراب، وبالتالي الثورة، "ولما كان الامتثال لارادة أصحاب الجلالة والسمو ملوك العرب والنزول عند ارادتهم، من تقاليدنا العربية الموروثة، وكانت اللجنة العربية العليا تعتقد اعتقادا جازما أن اصحاب الجلالة والسمو لم يأمروا أبناءهم إلا لما فيه مصلحتهم وحفظ حقوقهم، لذلك فاللجنة العربية العليا امتثالا لارادة أصحاب الجلالة والسمو الملوك والأمراء، واعتقادا منها بعظم الفائدة التي تنجم عن توسطهم ومؤازرتهم، تدعو الشعب العربي الكريم الى انهاء الاضراب تنفيذا لهذه الأوامر السامية التي ليس لها من هدف إلا مصلحة العرب".. ويقول غسان كنفاني في مؤلفه ثورة 36-39 في فلسطين، انه في مقابلة مع المندوب السامي البريطاني اشترك فيها الحاج أمين الحسيني وراغب النشاشيبي وعوني عبد الهادي، شددوا بالايحاء انهم مستعدون لإنهاء الثورة اذا طلب منهم ملوك العرب ذلك (صفحة 86). وهكذا توقف هذا الإضراب التاريخي العام دون الحصول على أي مقابل ملموس في 12/10/1936.
هذه الثورة لم تكن عملا قامت به القيادة العربية التقليدية، بل على العكس من هذا، فقد فوجئت هذه القيادة بالأحداث، ولكنها حافظت في يدها على القيادة السياسية، حتى استولت على القيادة العسكرية.
وجهت الثورة العربية المسلحة ضد السلطة البريطانية. ولكن كانت هناك أيضا صدامات مع اليهود. والحقيقة هي أن اتخاذ الحركة الصهيونية موقفا معاديا للثورة، وتجنيد كل قوتها لمساعدة السلطة البريطانية للقضاء على الثورة خلق الخلفية للصدامات بين العرب واليهود.

 

(معليا)