news

حذاء منتظر قمر "بغداد المحتلة"

لا ادري من أين جاءته الفكرة ، ولا ادري إن كان قد خطط لفكرته من قبل أم انها جاءت عفوية ، ولا ادري إن كان يعلم مسبقا حجم الفعل الذي أقدم عليه ، كذلك لست ادري إن كان يتوقع هذا الكم الهائل من التأييد والتماثل معه ليس على مستوى العراق فحسب ، ولا على مستوى العالم العربي فقط ، وإنما على مستوى العالم اجمع حيث ان الأصداء لا زالت تتوارد من كل عواصم الدنيا ، ومن كل القارات ، فالمقهورون والمظلومون كثيرون وقد فرحوا ، والساخطون الكارهون لبوش وعصابة البيت الأبيض اكبر بكثير مما نتوقع لان هؤلاء جميعا تنفسوا الصعداء ، وأثلج صدورهم ذلك الشاب المنسي في بغداد المحتلة الذي فاجأ العالم وبالبث الحي والمباشر حين قذف حذاءه في وجه بوش أثناء مؤتمر صحفي عقده في المنطقة الخضراء من بغداد المحتلة مع نوري المالكي كبير الدمى الأمريكية في العراق ، كانت لحظة ولا كاللحظات لأنها وضعت بوش سفاح العالم في الخانة التي يجب أن يكون فيها ، أراد هذا المجرم الذي اغرق العراق في بحر من الدماء أن يتبجح بان حربه العدوانية قد حققت نصرا وها هو قد جاء إلى العراق ليتباهى بهذا "النصر" المزعوم ، وهنا كان ما لم يتوقعه بوش أو عملاؤه العراقيون رغم كل احتياطات الأمن الداخلية والخارجية ، ورغم القدرات التكنولوجية الهائلة فقد نسوا العنصر البشري الشريف والحر حتى وان كان مجردا من أي سلاح ، ففي لحظات النشوة والخيلاء التي دغدغت الرئيس الأمريكي قام من وسط جمهور الصحفيين مراسل شاب لقناة "البغدادية" اسمه منتظر الزيدي وقذف بزوجي حذائه في وجه بوش قائلا :"هذه هي قبلة الوداع يا كلب" ، وانقض عليه الحرس الأسود وراحوا يضربونه ويخرجونه وهو يئن بكبرياء من عنف الضربات ، وهكذا في لحظات معدودة قلب منتظر الزيدي المعادلة رأسا على عقب ، وغيّر الموازين ، وافسد على الكذاب الدجال عرسه واحتفاله ، وجاء أسلوب المقاومة هذا دامغا  بشكل لا يمحوه التاريخ من الذاكرة الإنسانية لفساد الخلق الذي ميز الإدارة الأمريكية في عهد جورج بوش الصغير ، وألقاه منتظر الزيدي في مزبلة التاريخ بينما كان يتفادى ضربات حذائه ، صفق له كل المظلومين ، وصفق له كل محبي الحرية والسلام في كل مكان ، خرج الشعب العراقي بسنته وشيعته موحدا يهتف لمنتظر ويطالب بإطلاق سراحه ، وهكذا في لحظة فارقة تحوّل هذا الشاب غير المعروف إلى بطل وطني ، وبطل قومي ، وبطل إنساني ، تجلت قوته ، وعظمته وهو الذي لا يملك شيئا فإذا به أقوى من كل أسلحة بوش ، وأذكى من كل خبراء بوش ، ولا أغالي إن قلت انه تحوّل إلى رجل العام 2008 عن جدارة واستحقاق .
ينحدر هذا الشاب من أسرة شيعية فقيرة من مدينة الناصرية في جنوب العراق ، لم يتجاوز الثمانية والعشرين ربيعا ، درس الإعلام في جامعة بغداد وتخرج منها أيام الرئيس صدام حسين ، عمل مراسلا لقناة "البغدادية" وهي إحدى القنوات الوطنية المستقلة التي تعمل من القاهرة ، اختطف قبل مدة لكن تم إطلاق سراحه بعد حملة تضامن معه قامت بها القناة التي عمل مراسلا لها ، وقد ذكر شقيقه الأكبر عدي أن الاختطاف كان على خلفية عمله الصحفي فقد كان ينهي تقاريره الصحفية عادة بالعبارة التالية : "كان معكم منتظر الزيدي من بغداد المحتلة" وهذه العبارة هي التي أوغرت صدور الجلاوزة من أتباع الدمى الأمريكية الحاكمة في بغداد فكان اختطافه لبث الرعب في قلبه حتى لا يتجرأ على تكرار عبارة "بغداد المحتلة" ، لكن منتظر الشاب العربي العراقي الشجاع وقمر بغداد المتلألئ اثبت للعدو قبل الصديق ان الشعب العراقي ، ومقاومته الباسلة بألف خير ، وان الذين راهنوا على أن هذه الأمة أصبحت جثة هامدة فقد خاب فألهم ، وها هو منتظر الزيدي يصنع تاريخا مجيدا للأمة وبأقل تكلفة ، فالحذاء الذي قذف به بوش سيظل في ذاكرة الأيام ، وفي ذاكرة الشعوب ، فإذا كان حذاء أبو القاسم الطنبوري البغدادي الشهير قد ظل جزءا من التراث الشعبي لأكثر من ألف عام ، فان حذاء منتظر الزيدي سيكون له ما بعده ، وآخر نكتة يتحدث عنها الأمريكيون ان احدهم قد ذهب بعد العشرين من كانون الثاني القادم وهو موعد انقلاع بوش نهائيا لزيارة البيت الأبيض وقال للحرس هناك : أريد مقابلة الرئيس بوش ساكن البيت الأبيض ، وقد رد عليه الحارس قائلا : سيدي الرئيس بوش لم يعد رئيسا للولايات المتحدة ، وبوش لم يعد يسكن البيت الأبيض .
عاد الرجل مرة أخرى في اليوم التالي وقال للحارس : أريد مقابلة الرئيس بوش ساكن البيت الأبيض ، ورد عليه الحارس قائلا : لقد قلت لك بالأمس ان بوش لم يعد رئيسا للولايات المتحدة ، ولم يعد يسكن في البيت الأبيض .
ثم عاد الرجل للمرة الثالثة طالبا من الحارس أن يقابل الرئيس بوش ساكن البيت الأبيض !!
وهنا غضب الحارس وقال للرجل : لقد قلت لك بالأمس ، وأول أمس أن الرئيس بوش لم يعد رئيسا للولايات المتحدة ، ولم يعد يسكن في البيت الأبيض ، وللدلالة على حنقه الشديد راح الحارس يردد هذه العبارة عدة مرات : الرئيس بوش لم يعد رئيسا للولايات المتحدة ، ولم يعد يسكن البيت الأبيض .
صاح الرجل وبفرح كبير : نعم أريد أن اسمع هذه العبارة كثيرا : بوش لم يعد رئيسا ، ولم يعد يسكن البيت الأبيض ،  بوش لم يعد رئيسا ، ولم يعد يسكن البيت الأبيض .
فتحية لك يا منتظر الزيدي ، وسلمت المقاومة العراقية الباسلة التي أذلّت طاغوت العصر ، والحبل على الجرّار ...
وكأني بك الآن تقول :
إن يمنع الأعداء حدّ صوارمي    لا يمنع الأعداء حدّ حذائي