news

نظام مبارك «عار مصر»، وهو الذي يذلها ويهينها ويدوس أهلها بنعال الأمن المركزي

ليس صحيحا أن مبارك يسكت علي جرائم إسرائيل، أو أنه يقف علي الحياد، بل هو يحارب مع إسرائيل، ويأتمر بأوامرها، وينفذ ما يملي عليه بالحرف والفاصلة. وقد استقبل ليفني التي أعلنت الحرب من القاهرة، وبعد لقاء سري مع مبارك، نفسه الذي أهانته ليفني قبل شهور، ووجهت له اللوم والتأنيب في جلسة شهيرة للكنيست، ووصفت عمله في إغلاق «أنفاق غزة» بالرداءة، وبدت ألفاظها جارحة لرجل في ضعف عمرها.
لكن مبارك ابتلع الإهانة كالعادة، ودعا ليفني للقاء خرجت منه مبتسمة، بينما وزير خارجية مبارك يسندها خشية التعثر علي بلاط القصر.
وبينما وقف أبو الغائط إلى جوارها كالأرنب المبلول، كانت مجرمة الحرب الإسرائيلية تطلق النفير، وتلعثم أبو الغائط الباهت المرتبك، بينما بدت شجاعته الفأرية ظاهرة في رده على حسن نصر الله، ونطقه بألفاظ وضيعة ضد السيد الذي جعل الأمة من شيعته، رغم أن أبوالغائط يعرف- والذين عينوه في منصبه- أن ظفر إصبع قدم سيد المقاومة يساوي رأس سيده.
وفي الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل عدوانها الوحشي علي غزة، وتهدم كل حجر، وتسعي لقتل كل البشر، كانت قوات مبارك تخوض الحرب ذاتها في القاهرة، وكأنها احتياطي استراتيجي للجيش الإسرائيلي، وتحول وسط البلد إلي ميدان فزع، تنتهك فيه الأعراض، وتدوس علي كرامة المتظاهرين من أجل كرامة مصر، وتختطف العشرات من الصحفيين والناشطين، وتتصرف كعصابة مأجورة، تحشر المختطفين في عربات الترحيلات، وليس لكي تذهب إلي سجن، ولا لتنفذ أوامر اعتقال، بل لترمي خيرة شباب مصر في الصحراء.
بعدها كانت قوات مبارك تكرر جريمة نابليون الذي دهس بخيله حرم الجامع الأزهر، وتدنس صحن الجامع العريق، وتضرب أنبل أبناء مصر بالنعال، وتعتقل القادة من منازلهم، لا لشيء إلا لأنهم قالوا ربنا الله، ولا لشيء إلا لأنهم أعلنوا براءتهم من جرائم نظام مبارك وعصابته، وهتفوا بسقوط مبارك كما هتفوا بسقوط إسرائيل.
نعم، فقد أضاءت نار الحرب ظلام القلوب، ومحت الالتباسات كلها، ومسحت بركة الدم الفلسطيني الغشاوات عن الأبصار، فإذا هي اليوم حديد، وإذا بنظام مبارك قد ضبط متلبسا بالعمالة لإسرائيل، وهي العمالة الموثقة بكلمات مبارك المتلفزة، والتي بدا فيها الرجل شائخا خائر القوى، وحرص على طمأنة إسرائيل بأنه ينفذ الأوامر، وأنه لن يفتح معبر رفح بغير رغبة إسرائيل.
 وإسرائيل لا تريد الفتح الدائم لمعبر رفح، وهي تعرف أن المعبر هو شريان حياة غزة، وأنه كالنيل بالنسبة للمصريين، وأن غلق المعبر كردم النيل، وأن غلق المعبر هو المشاركة الميدانية المباشرة في دعم المجهود الحربي لحصار وقتل الفلسطينيين، وإرغام حماس على الاستسلام، وهو ما لن يحدث، وحتى لو حملوا نظام مبارك إلي نعشه الأخير.
وربما ليس لدي مبارك حيلة في أن يفعل شيئا آخر، فهو يحكم مصر بالغصب، يحكم مصر بغير أدني قدر من الشرعية، يحكم مصر بالتزوير القبيح والفاجر، يحكم مصر كقوة احتلال بمليوني عسكري من قوات الأمن الداخلي، ونظامه يسرق الثروات وينهب الأصول، وليس عنده من فرصة للتصالح مع شعبه، فثمن التصالح أكبر من أن يحتمله، ثمن التصالح أن يخرج مبارك من القصر إلى قفص الاتهام.
والذي يخاصم شعبه يعانق عدوه، وهكذا انتهي أمر مبارك ونظامه، فليس له من ملجأ إلا إلي أحضان إسرائيل، وليس له من سبيل إلا كسب محبة إسرائيل طلبا لرضا واشنطن
 ليس له من سبيل إلا أن يصادق إسرائيل ويعادي من تعاديه، وأن يخوض معها حربها التي صارت حربه، وأن يدفع نصيبه في دعم المجهود الحربي لتل أبيب.
 وهو يفعل ما يطلب منه بالضبط، يحمي سفارة إسرائيل وسفيرها خشية من غضب المصريين، ويغلق المعبر لخنق الفلسطينيين، ويصدر الغاز والبترول لإسرائيل، ويزود الجيش الإسرائيلي بطاقة النار اللازمة لقتل الفلسطينيين.
 وموقف كهذا لا يوصف بالصمت أو بالتخاذل، بل هو عين التواطؤ والشراكة الكاملة في الإثم والعدوان، وموقف كهذا لا يصح أن ينسب لمصر، بل هو منتهي الإهانة والعداوة لمصر والمصريين.
وقد بدت مصر متنبهة متيقظة لما يجري، واكتشفت بعفويتها العبقرية عداوة العصابة الحاكمة للوطن والناس، وخرج ملايين المصريين إلى الشوارع، رجالا ونساء، شبابا وشابات، ومن كل ألوان الطيف، وفي كل عواصم المحافظات، خرجوا يدافعون عن شرف مصر الذي أهانه مبارك، وجعلنا مسخرة العالمين، والنظام المصري ليس وحده الذي انفضح أمره، الأنظمة العربية خانت قضية الأمة، وجعلت القضية الفلسطينية موضوعا للمقايضة، وتعد إسرائيل بالسلام مقابل سلامة الحكام، وبقائهم فوق رقاب الناس ظلما وعدوانا، ولا قيمة لتفرقهم ولا لاجتماعهم، ولا لقممهم عقدت أم لم تعقد، فهم قبض ريح، وأعداء لله وللناس، وحظيرة خنزير أطهر من أطهرهم.
فلسنا بصدد عدو واحد هو أمريكا وإسرائيل، بل بصدد عدو مزدوج، وبصدد حرب مزدوجة، حرب بالسلاح ضد العدو الأمريكي الإسرائيلي، وحرب بالسياسة ضد أنظمة العمالة والقهر والتواطؤ، وأولها نظام مبارك الذي لا يصح أن ينسب لمصر، بل ينسب لأعداء مصر والمصريين.
 فلسنا منه وليس منا، ويعرف المصريون عداوة نظام مبارك، يعرف المصريون أن شهداءهم وغرقاهم في عام واحد يساوون عدد كل شهدائنا في الحروب مع إسرائيل، ويعرف المصريون أن نظام مبارك هو الذي أهانهم وأذلهم وأكرههم على ما يكرهون
وأن رمي نظام مبارك في مزبلة التاريخ هو الحل، وأن قضية فلسطين هي قضية الوطنية المصرية، وأن جرائم الشراكة مع إسرائيل هي أم الخيانات، وأن قطع يد كل متعامل مع إسرائيل هو أقدس حدود الله والناس، وأن تلويث اسم مصر بشراكة الحرب مع إسرائيل يوردنا موارد التهلكة، ويدنس علم مصر الذي أحرقه غاضبون في عواصم عربية.
الذي يستحق الحرق هو صورة الحاكم المغتصب لاسم مصر، فمصر ليست حسني مبارك، بل هي- بالضبط- في موقف العداء لمبارك ونظامه تماما كالعداء لإسرائيل
ولا سيادة لمصر ولا سيادة للمصريين مع بقاء نظام مبارك، فوجود نظام مبارك في ذاته أعظم إهانة لمصر، وأكبر اعتداء علي سيادتها.
والضابط المصري الذي قتل على الحدود برصاص فلسطيني غاضب مأزوم يستحق مواساة أهله لكن دمه ليس أقدس من دم عشرات من ضباطنا وجنودنا قتلوا برصاص إسرائيل على الحدود، ولم يقم لهم نظام مبارك جنازة حارة ولا باردة، ولا حرك ساكنا، وصدرت الأوامر بدفنهم في سرية تامة، وتحت جنح الليل.
ولم يذكرهم إعلام العصابة الحاكمة بحرف، لم يتذكرهم كلاب العائلة، ولا استدعوا أهاليهم للشهادة في التليفزيون، وكفوا على الخبر مأجورًا.
فهم يعرفون العار الذي يدافعون عنه، ويعرفون أن عصابة الحكم هي المسئولة عن قتلهم، وهي الحقيقة التي يعرفها الشعب المصري المنهوب الثروة والمسفوك الدم.