news

هل تستعد غزة الصمود والتصدي لتسطير ملحمة البطولة بهزيمة المعتدين !؟

تبرز على ساحة حرب المجازر الاسرائيلية ضد الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة مؤشرات تبعث على التفاؤل بفشل هذه الحرب في تحقيق اهدافها العسكرية – السياسية وباحتمال وقف نزيف دم العدوان الاسرائيلي، فحسب ما اوردته "يديعوت احرونوت" امس الاربعاء السابع من شهر كانون الثاني الحالي، ان الكابينت – الطاقم السياسي – الامني. اجتمع امس صباحا في جلسة خاصة بمشاركة القائد العام للجيش وجنرالات من الجيش وسينضم اليهم الوزراء وذلك لسماع اذا كان الجيش الاسرائيلي مؤهلا في مواصلة الحفاظ على المواقع التي احتلها في القطاع وما هي توصيات الجيش بالنسبة للمرحلة القادمة. وفي هذا السياق ايضا صرح وزير الحرب ايهود براك (نفس المصدر) لقريبه "انه سيحسم اليوم مصير العملية"!!
ان ملامح هذا الموقف الاسرائيلي الذي لم يبلور نهائيا بعد لا تعني ابدا ان ذئب العدوان الاسرائيلي قد تخلى عن طاقم انيابه المفترسة، بل تندرج وفي اطار تكتيك خبيث – كما سنرى – يتوهم مجرمو الحرب من ورائه انجاز مكاسب سياسية فشلت حرب الابادة في تحقيقها.
* قوة الحق اقوى من "حق القوة": لا نبالغ اذا اكدنا ان الحرب الحالية اكثر حروب اسرائيل عدوانية ودموية ووحشية وغير اخلاقية وغير انسانية، اكثر الحروب الاسرائيلية العدوانية التي عرّت الوجه الحقيقي للنظام الاجرامي المشحون بممارسة قانون الغاب، شريعة الغاب كبديل للقانون الدولي في تعامله مع الشعب العربي الفلسطيني فحكومة الكوارث والمجازر بقيادة مجرمي الحرب اولمرت – براك – ليفني ولتبرير حربها العدوانية، ادعت انها تضع نصب اعينها ثلاثة اهداف اساسية، الاول ايقاف اطلاق الصواريخ الفلسطينية على بلدات الجنوب الاسرائيلي والقضاء على المقاومة الفلسطينية والاطاحة بسلطة حماس الارهابية في القطاع وتحرير الاسير الاسرائيلي جلعاد شليط. ورغم مرور اثني عشر يوما فان المعتدي لم يحقق أي هدف من هذه الاهداف الثلاثة رغم انه بقواته الهائلة، الجوية والبحرية والبرية المزودة بأحدث اسلحة القتل والتدمير الامريكية الصنع لم يستطع كسر صمود الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة للغزاة. لست خبيرا عسكريا، ولكن حسب معطيات وتحليلات الخبراء العسكريين فان استهداف المدنيين وقتل اكبر عدد من الاطفال والنساء وتدمير البنية التحتية المدنية، تدمير شبكتي المياه والكهرباء والجامعات والجوامع والمدارس هي دالة ومؤشر للضغط الاجرامي لكسر معنوية المقاومة والشعب الفلسطيني، فالفشل العسكري في الصمود الاسطوري لشعب يواجه مذابح حرب ابادة جعلت المعتدي يفقد اعصابه ويصعد من ممارسة جرائم الحرب ضد المدنيين والنساء والاطفال. ثعلب العدوانية الصهيونية الرئيس شمعون بيرس يدعي في مقابلة مع قناة "الجزيرة"يوم الثلاثاء 6/1/2009، ان الجيش لا يستهدف النساء والاطفال، هذا في وقت كانت فيه طائرات المعتدين الاسرائيليين تقصف مدرسة تابعة لوكالة غوث اللاجئين دمرتها وقتلت اربعين طفلا واكثر من مائة جريح. هذا بالرغم من المسؤولين في هذه الوكالة قد اخبروا الجزارين ان هذه المدرسة وغيرها تستخدم كملجأ للاطفال الهاربين من شبح القصف والموت. عائلات بأكملها قصف القصف الاسرائيلي اعمارها، احياء سكنية وبيوت سكنية هدمها الغزاة على رؤوس اهلها من المدنيين، اكثر من اربعين في المئة من الشهداء القتلى البالغ عددهم حتى كتابة هذه السطور اكثر من 660 من الشهداء وحوالي ثلاثة آلاف جريح هم من الاطفال واكثر من سبعين في المئة هم من النساء والاطفال والمدنيين، ولهذا يجب الاخذ بجدية تحذير الملك الاردني عبدالله الثاني حول ماذا سيكون بعد غزة، عن المؤامرة المحبوكة التي تستهدف الشعب العربي الفلسطيني ومستقبله. ولعل الملك الاردني قرأ ما كتبه الممثل السابق لادارة بوش في مجلس الامن الدولي، جون بولتون نصير الصهيونية واسرائيل، الذي كتب في مطلع هذا الاسبوع انه لا حاجة لقيام دولة رابعة، دولة فلسطينية، يكفي ثلاث دول – مصر يضم اليها قطاع غزة والاردن يضم اليها اجزاء من الضفة الغربية واسرائيل يضاف اليها ويضم كتل الاستيطان والقدس الشرقية!! وهذا ما حذرنا منه منذ بداية حرب الابادة الاسرائيلية على قطاع غزة، وان الهدف من وراء هذه الحرب هو خلق ظروف تمنع اقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وبرأينا ان حكومة العدوان الاسرائيلي وبالتنسيق مع ادارة بوش قبل انقلاعها من "البيت الابيض" تواجه ضغوطات متعددة وعدة عوامل لا يمكن تجاهلها الى ما لا نهاية وتفكر بحسم الموقف من وقف عدوانها. فلا يمكن تجاهل ملايين المتظاهرين من شعوب جميع البلدان والقارات المنددة بجرائم الحرب الاسرائيلية والمطالبة بوقف الحرب الاجرامية. لا يمكن تجاهل تأثير مظاهرة الغضب الشعبية للشعوب العربية ونقمتها على تخاذل وتواطؤ انظمتها المدجنة في القن الامريكي ومصيرها. لا يمكن تجاهل مواقف انظمة وبلدان باسرائيل علاقات استراتيجية مثل تركيا العضو في الحلف الاطلسي التي تدين اليوم العدوان الاسرائيلي وتنشط دبلوماسيا لايقاف الحرب.
لا يمكن تجاهل توجه طواقم محامين ورجال قانون من النرويج وبريطانيا ومن بلادنا الى محكمة لاهاي الدولية طالبين محاكمة المسؤولين السياسيين والعسكريين الاسرائيليين كمجرمي حرب. وكل التحية لفنزويلا الثورة ولنظامها التقدمي التي اعلنت عن قرارها طرد السفير الاسرائيلي من بلادها احتجاجا على العدوان الوحشي الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني فهل يحذو بعض انظمة التخاذل حذو فنزويلا.

 

* الحراك الدبلوماسي ومدلولاته السياسية:

شهدت ساحة التطور والصراع حراكا دوليا ديناميا متعددا يندرج في اطار المساعي المبذولة لوقف حرب الابادة الاسرائيلية. فالتحرك العربي الرسمي، ورغم هبة الشعوب العربية لم يرتفع بعد الى المستوى المطلوب، ولا يزال التخاذل محك الموقف بالنسبة لبعض الانظمة العربية "المعتدلة" التي منعت حتى اليوم عقد مؤتمر قمة عربي يتخذ موقفا عربيا موحدا مسلحا باجراءات عينية تكبح جماح المعتدي الاسرائيلي وسنده الامريكي وتناصر الحق الفلسطيني، بدلا من مؤتمر قمة عقد اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي لم يخرج بأي قرار جدي وبرزت التناقضات بين الانظمة "المعتدلة" و"الممانعة" غير المدجنة امريكيا مثل سوريا. وما تمخض عن هذا الاجتماع هو ارسال وفد من الوزراء العرب يرافقه الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وسافر هذا الوفد الى الامم المتحدة دون ان يتسلح بمبادرة عربية عينية اوبأي برنامج عيني سوى التسلح بضريبة كلام ضبابية بانه سيضغط على مجلس الامن لاتخاذ قرار يوقف الحرب!! هل فعلا سيضغطون ام سيكونون تحت مكبس الضغط الامريكي المنحاز الى جانب اسرائيل العدوان او تحت ضغط الفيتو الامريكي المجند لصالح اسرائيل! وهذا ما حصل، فقد كان من المقرر ان يتخذ مجلس الامن قرارا ليلة امس الاول، ولكن تحت الضغط الامريكي لتعديل صياغة قرار لا يدين اسرائيل ابدا بل الطرف الفلسطيني. فالادارة الامريكية التي بررت وايدت حرب الابادة وقتل المدنيين الفلسطينيين من اطفال ونساء تضغط في مجلس الامن لصياغة قرار في مجلس الامن يحقق لاسرائيل ما فشلت في انجازه في حربها العسكرية الاجرامية. ايهود براك يؤكد (يديعوت احرونوت 7/1) "ان من يحسم مصير العملية هو مدى نجاح كوندوليزا رايس في اقناع المصريين اخذ مسؤولية منع التهريب في منطقة فيلادلفي"!! هذا اضافة الى المساواة بين الجزار وضحيته وارسال قوات دولية وفرز منطقة عازلة بين اسرائيل وقطاع غزة على الاراضي الغزية الفلسطينية!!
وينطبق على ساركوزي المثل "غاب القط العب يا فأر" فبغياب موقف عربي موحد ومبادرة عربية، وبغياب موقف امريكي متوازن وانحياز ادارة بوش في دعم حرب الابادة الاسرائيلية في القطاع، استغل ساركوزي هذا الوضع خدمة لمصالح الامبريالية الفرنسية في المنطقة. وقد فشل في مهمته بعد طرح مبادرته على المسؤولين في كل من مصر واسرائيل والسلطة الفلسطينية. فمبادرته تساوي بين القاتل والقتيل، واتهام حماس والطرف الفلسطيني المسؤولية انفجار الحرب، ولهذا فانه مقابل وقف اطلاق الصواريخ توقف اسرائيل عدوانها.
هذا اضافة الى ارسال قوات دولية الى غزة! اما الرئيس المصري الذي يغلي شعبه غضبا على موقف نظامه المتخاذل، فقد اعلن في المؤتمر الصحفي مع ساركوزي في شرم الشيخ عن "مبادرته" المرحلية بوقف اطلاق الصواريخ الفلسطينية مقابل وقف الحرب العدوانية الاسرائيلية ولمدة ثمان واربعين ساعة، وانه خلال هذه الفترة تفتح المعابر لادخال المساعدة الانسانية لقطاع غزة المنكوب، وان هذه الهدنة المؤقتة قد تخلق مناخا افضل للتفاوض، وان مصر مستعدة لاستضافة مفاوضات اسرائيلية – فلسطينية!! والسؤال هل تقبل اسرائيل بهذه المبادرة ام ان "وراء الاكمة ما وراءها" من وراء المبادرة المصرية!! خاصة فيما يتعلق بوجود قوات دولية في غزة او على معبر رفح وشريط فيلادلفي. وما نود تأكيده انه شتان ما بين قوات دولية لحماية الشعب الفلسطيني من جرائم المحتل الاسرائيلي وبين قوات دولية "لحماية الامن" الاسرائيلي. فارسال مثل هذه القوات للمرابطة بين اسرائيل وقطاع غزة مدلوله السياسي وكأن المقاومة في قطاع غزة ليست اكثر من قوى ارهابية تهدد الامن الاسرائيلي، كما ان ذلك يعني وكأن قطاع غزة دولة قائمة بذاتها وليست جزءا عضويا من المناطق المحتلة الذي تحاصره اسرائيل جوا وبرا وبحرا. كلنا يذكر ان سوريا والمقاومة اللبنانية رفضت ان يتضمن قرار مجلس الامن الف وسبعمئة وواحد بندا يتضمن نشر قوات دولية بين سوريا ولبنان – كما طلبت اسرائيل وادارة بوش – بحجة منع تهريب السلاح عبر الاراضي السورية الى حزب الله والمقاومة اللبنانية، هذا البند الذي تضغط الادارة الامريكية واسرائيل على النظام المصري لاملائه على الفلسطينيين.
ما نود تأكيده في نهاية المطاف ان الصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني في مواجهة حرب المجازر والابادة الاسرائيلية يسطر ملحمة بطولية مدلولها السياسي ليس فقط هزيمة المجرمين المعتدين بل خلق وضع جديد مرتقب في المنطقة، في الخارطة السياسية – الجغرافية في الشرق الاوسط ليست ابدا في مصلحة قوى تحالف العدوان الامبريالي الصهيوني وقوى التواطؤ العربية معهما. بداية مرحلة مخاض ثوري نأمل ان تكون نتيجته الحتمية زوال الاحتلال الاسرائيلي للمناطق الفلسطينية واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وزوال الاحتلال الامريكي كل من العراق وافغانستان لضمان الحرية والاستقلال الوطني لشعبي العراق وافغانستان. وفي مرحلة المخاض هذه لا مفر من اعادة ترتيب البيت الفلسطيني باعادة اللحمة الى وحدة الصف الكفاحية الفلسطينية. كما نأمل في مرحلة المخاض هذه، خاصة بعد هزيمة الحرب على غزة والشعب الفلسطيني، ان تخلق ظروف جديدة في اسرائيل باعلاء شأن قوة الحق، السلام العادل والمساواة والعدالة الاجتماعية وتكسير انياب قوى الشر والعدوان والتمييز العنصري والقومي لضمان مكانة اسرائيل في اسرة دول المنطقة والمبنية على قواعد علاقات التعايش الاخوي والصداقة والاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة.