news

هكذا تموت السلاحف

لو كانت هذه الحرب على غزة بالسيوف والرماح والخيول لكان انعقاد مجلس الأمن في اليوم السادس منها مفهوما ومتناغما مع ايقاعها الفروسي القديم، ولو كان العرب يهيئون الدروع لصدها بحيث يجتمعون لمناقشتها بعد أسبوع أو أسبوعين لكان الأمر مفهوماً أيضاً، ويبدو أننا أصبحنا نخلط بين الرمز والحقيقة، فنصدق مثلاً أن خارطة فلسطين المعلقة على الجدار أو على الصدر هي فلسطين بلحمها وعظمها ودمها وجبالها وسهولها، ومن كتبوا عن الحروب الحديثة المؤتمتة والمسيرة بالحواسيب الذكية على أنها منازلة بالسيوف دفعوا الثمن.

ما معنى أن نفكر في أمر وقع وأوشك على الانتهاء؟ وما جدوى اجتماعات ولقاءات ومؤتمرات بعد أن تكون الحرب قد حصدت آلافا من البشر؟

ان للتخلف اضافة إلى مجمل رذائله المعروفة رذيلة أخرى هي الايقاع، فهو سلحفائي في كل شيء، وديناصوري في استجاباته للتحديات.

لقد سميت حرب يونيو/ حزيران حرب الأيام الستة لأن ما حدث خلال أقل من أسبوع هو احتلال الضفة الغربية والجولان وسيناء.

وست ساعات كافية في أيامنا لاسقاط عواصم ودول تقول احصاءاتها أنها تملك ملايين الجنود وأسلحة وذخائر تشبه المناجم الاسطورية لأنها لا تنفد.

والأرجح أن العرب أصبح لديهم تعريف خاص وقومي للحروب والمجازر والانتصارات والهزائم، فليست مجزرة تلك التي يقل عدد ضحاياها عن ألف وليست حرباً تلك التي لا تستمر بضعة أعوام أو عقود أو قرون.

إن الايقاعات هي علامات فارقة في الحضارات والثقافات والحروب أيضا، ومن لا يمتلك من الرشاقة ما يكفي كي يصد من سال لعابهم على لحمه لن ينتظره الزمن، ولن يتريث غزاته بحيث يتيحون له فرصة الانقضاض والرد.

إن الحروب الحديثة بأسلحتها ومجمل تقنياتها تسخر من السلاحف التي ما إن تحتشد حتى يكون كل شيء قد انتهى، وما عليها إلا أن تلوذ بالفرار بأصدافها إذا بقيت لها أصداف.

ما من غزو صهيوني أو غير صهيوني استهدف العرب المعاصرين إلا وتخلوا له عن الوقت كي يحوله إلى سلاح اضافي، ولأمر ما يحتاج تحليله إلى فريق من علماء النفس والاجتماع والانثربولوجيا لا تتضح وتتبلور خلافات العرب الهاجعة إلا عندما تكون المناسبة جديرة بالائتلاف، ولو في حده الأدنى.

ان من يصغي إلى ما يقال في الفضائيات هذه الأيام يلتبس الأمر عليه، فلا يدري من يعتدي على من؟ ولمن تنتمي هذه الطائرات التي تقصف غزة، وأحيانا يشك في أن بعض الخطابات المزخرفة والخاوية تسعى إلى تبرئة الصهيونية من كل ما اقترفت وتقترف.

لقد بلغ خلط الأوراق ذروته، وأوشك العربي أن يفقد القدرة على تحديد الجهة التي يندلع منها الرصاص.

إن أكثر من أحد عشر يوما من الموت بالجملة والدم الذي غطى الشوارع ليس كافيا لأن يقطع ساسة العرب المسافة بالطائرة بين عواصم لا تبعد عن بعضها غير ساعات، لكنها تتباعد آلاف الأميال بمقياس آخر؟