news

معادلة الصمود والإنتصار

شربنا مع صفاء حليب أمهاتنا، وتعلمنا وتربينا وكبر الوعي فينا على مقولة " أنا وأخي على إبن عمي، وأنا وإبن عمي على الغريب " تلك المقولة التي صمدت، رغم تغير الظروف والمعطيات، ودللت على أن عمق الوعي الشعبي، يصر على إن الصدام مع الغريب يسقط الخلاف والتباين مع الأخ ومع إبن العم، لصالح التصدي للغريب المعتدي، فكيف يكون الوضع حينما يكون الغريب الأجنبي عدواً مستعمراً عنصرياً سارقاً للبسمة والأرض والحياة الطبيعية منا، من شعبنا، وأهدر كرامتنا وشرد نصف الشعب الفلسطيني خارج وطنه، ونصفه الآخر يعاني التمييز في مناطق الإحتلال الأولى عام 1948، ويواجه القتل والإغتيال والدمار والخراب والإستيطان في مناطق الإحتلال الثانية عام 1967.
يقول العدو الإسرائيلي أن هجومه على قطاع غزة منذ 27/12/2008 يستهدف فقط حركة حماس ووقف إطلاق الصواريخ، ولا يستهدف المدنيين، وهو نفس المنطق الذي ساقه في إجتياح لبنان عام 1982، حيث كان يستهدف رجال فتح والمنظمات الفلسطينية ولا يستهدف اللبنانيين، وفي حربه ضد لبنان في تموز 2006، قال أن هجومه يستهدف " حزب الله " ولا يستهدف المدنيين، وفي إجتياحه للمدن الفلسطينية التي إنحسر عنها الإحتلال، وأعاد إحتلالها في سنوات 2003 و 2004 و 2005 في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات وخلال الإنتفاضة العسكرية الثانية وعملياتها الإستشهادية، كان يدعي أن معركته بقيادة شارون كانت تستهدف " رجال التنظيم" وقادة العمليات الإنتحارية، منطق تسويقي مكشوف خبره الفلسطينيون ودفعوا ثمنه من أطفالهم وعائلاتهم وممتلكاتهم، مثلما فعل اللبنانيون، وفي كل الحالات كانت النتائج السياسية تعبير عن نتائج المعارك والهجوم، وأن رجال الفتح وحزب الله وحماس هم الذين يصنعون مع الإسرائيليين خارطة المشهد السياسي في منطقتنا، وأن ضرب المدنيين جزء من صياغة المشهد وتشكيله، ولذلك فالهجوم الإسرائيلي الذي يستهدف حركة حماس في قطاع غزة، حلقة من سلسلة حلقات تسعى لصياغة وشكل التسوية من وجهة نظر المصالح الإسرائيلية.
هناك خلافات سياسية عميقة بين فتح وفصائل المقاومة من الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب من طرف وحماس من طرف آخر، ولكن هذا لا يبرر الإنقسام واستمرار العزلة بين الطرفين أمام الهجوم الإسرائيلي، الذي يستهدف الشعب الفلسطيني وحقوقه وجزءاً من مكوناته، ولذلك لا تستطيع فصائل منظمة التحرير إلا أن تكون في خندق المواجهه لخندق الإعتداء الإسرائيلي، وهذا إنعكس في سلسلة مواقف وسياسات وقرارات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ووقف الحملات الإعلامية، والدعوة للجلوس على طاولة الحوار والتنسيق وخلق الأجواء الأخوية بين فصائل المقاومة كافة ومظاهر العمل البرلماني المشترك بين عزام الأحمد وحامد البيتاوي وبين الكتل البرلمانية الفلسطينية، دوافعهم في ذلك ما قالـه يـاسر عبد ربه " الدم ما بيصير ميه " ولأن مقولة " أنا وأخي على إبن عمي، وأنا وإبن عمي على الغريب " صحيحة وصائبة.
كل الإفتراءات ضد حركة فتح لا يلغي دورها وموقفها ومكانتها، وكل التجاوزات لحركة حماس لا يشطب أهميتها في المكون الفلسطيني، ورغم كل التهميش لباقي الفصائل لا يلغي أهمية مبادراتها، فالكل الفلسطيني هو العظم واللحم والدم والمشاعر المكونة للجسد، وأي نقصان لعامل من هذه العوامل الأربعة لا يكون الجسم كاملاً طبيعياً كي يؤدي دوره الوظيفي الإنساني في الحياة.
العامل الإسرائيلي يملك مقومات التفوق البشري والعسكري والتكنولوجي والإقتصادي والسياسي، في مواجهة العامل الفلسطيني الأضعف في معادلة الصراع، فكيف حينما يكون العامل الفلسطيني ممزقاً فاقداً للأولوية؟؟
الفلسطينيون بدون وحدتهم وعدالة قضيتهم لن يستطيعوا لا الصمود ولا تحقيق الإنتصار، والعوامل العربية والإسلامية حتى ولو كانت قوية متماسكة وداعمة للفلسطينيين لا يمكن أن يكون لها التأثير في معادلة الصراع، ولذلك لا تتوهم حركة حماس أن قوة حركة الإخوان المسلمين العاليمة العابرة للحدود يعوّضها في معركة الصراع ضد العدو الإسرائيلي عن حركة فتح والشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وعن العربية والفلسطينية والنضال الشعبي والمبادرة وعن أهمية الشخصيات الوطنية من سلام فياض وحنان عشراوي وعبد الله الحوراني، أو أن دور سوريا وقطر وإيران يمكن أن يعوّضها عن دور مصر والأردن والسعودية، مواجهة العدو الوطني تحتاج للكل الوطني، ومواجهة العدو القومي تتطلب جميع مكونات الكل القومي، تلك هي أبسط معادلات الصراع وألف باء معركة الإستقلال.

 

hamadehfaraneh@yahoo.com