news

عايشة الحسن جندي المعركة!

ليلة رأس السنة الجديدة، وعلى غير العادة، نامت بلدتنا "على وجهها طب" قهرا وغضبا، فلم تعمّر كوانين المشاوي ولم ترتب طاولات المشهيات من مختلف انواع المازات التي تعجز بلدان الكمبيوتر والانترنت عن صنعها. فمن في عينه الدمعة وفي قلبه الغصة والدم يغلي في شرايين جسمه، لا ينجح في اغتصاب الفرحة والبسمة وهز الخواصر احتفالا باشراقة فجر عام جديد مخضبة بدماء اشلاء اجساد اخوته اطفال ونساء وشباب غزة، ضحايا مذبحة وحوش البشر من المحتلين الجزارين الاسرائيليين، بلدتنا لها وضع غير طبيعي خاص تعكس اثره على طابع احتفالاتها الوطنية والدينية فأكثر من ستين في المئة من السكان هم ضحايا النكبة الفلسطينية من القرى التي هدمها الغزاة الصهيونيون وهُجر اهلها قسرا الى خارج وداخل الوطن، من قرى عمقا والبروة والسمارية والنهر والغابسية وام الفرج وعرب النعيم وعرب السويطات وقطيشة ومن البصة وسعسع وسحماتة ويافا واللد وغيرها، وكثير من اهالي بلدتنا اقارب بالدم اضافة الى قرابة الانتماء القومي الوطني كابناء الشعب الفلسطيني الاصيل. ومنذ اليوم الاول لجريمة حرب الابادة التي يرتكبها ايتام هولاكو ضد شعبنا في قطاع غزة، تعيش قريتنا وكأنها على خط نار المقاومة الامامي في مواجهة مجرمي الحرب. وانتفضت البلدة كباقي مدن وقرى شعبنا بمظاهرة غضب واحتجاج نظمتها الجبهة والحمر، وشارك فيها حشد هائل من الرجال والنساء والاطفال ورجال الدين ومن مختلف هويات الانتماء العقائدي غير السياسي والديني والعائلي. اكثر ما اثر فيّ الى درجة سقوط الدمع من مقلتي حادثتان، ففي ساعات الظهر من يوم المظاهرة في بلدتنا طرقت باب دارنا عايشة الحسن (ام محمد) وزمرد البطرس (ام جريس)، الاولى من قرية سحماتا قلطت عتبة الثمانين عاما ولم يبخل عليها رب العباد بحزمة من امراض السكري والضغط العالي ووجع المفاصل وضيقة النفس، اولادها الثلاثة جرفتهم جرافات التطهير العرقي الصهيونية الى مخيم شاتيلا، اُستشهد احدهم من خلال مقاومة الجزارين، توفي زوجها ولم يبق لها سوى ابنتها المتزوجة في ترشيحا وجارة الرضا ام جريس تعينها في عجزها.
قالت ام محمد "بطلوع الروح  وبمساعدة هالمستورة ام جريس وصلت لعندك، يا ابني جسمي بطل يحملني حتى اشارك بواجبي في المظاهرة اليوم، جارتنا قالت انكم بدأتم بحملة اغاثة وتبرع بالدم لدعم صمود واغاثة شعبنا المنكوب في غزة، مرض السكري الملعون افسد دمي ولا يصلح للتبرع"، واخرجت من كيس كتان صغير تخبئه في صدرها "اسويرة ستف من ليرات الذهب العصملّي" وقالت هذا ما بقي لي من المهر الذي دفعه المرحوم عند زواجنا، كنت واعدة نفسي ان اقدمها شبكة مباركة لأحد احفاد ابنائي عندما نجتمع يوم العودة في بلدنا سحماتا، ولكن شعبنا في غزة هاشم الذي يصمد في وجه القتل والجوع والعطش ويقدم قوافل الشهداء والجرحى يستحق كل الدعم وهو احق بالاسويرة من حفيدي، عايشة الحسن دائما كانت جندية في معارك شعبنا؟ اسأل السحامتة عني". قبلتها من رأسها ولساني يلهج "شعب فيه امثالك يا ام محمد عصيّ على الكسر والهزيمة ولن يكون الا النصر حليفه". اما ام جريس المعروفة بدمها الخفيف وحبها للمزاح فقالت، زوجي ابو جريس صيّح وعتب علي لأني قلت ان جاء أي من عملاء الاحزاب الصهيونية يدعونا للتصويت لحزبه سألفه بالصرماية، كل اولاد المنبوطة من الاحزاب الصهيونية ضد شعبنا في قطاع غزة"، ابو جريس قال لي لماذا تحطي من قيمة الصرماية، خاصة بعد ان وجهها البطل العراقي الزيدي لتلطم وجه المجرم بوش!
وبعد ان ضيفتهما زوجتي فطائر – دشاش، بسماينة تحول هرج الحريم عن العلت والخبيزة والدرار واللسانية في قراهم التي تنتظر عودتهم.