ربما لم يسمع الكثيرون وخصوصا الأجيال الشابة بهذا الاسم من قبل وربما لا يعرفون له صورة ولا شكلا، ولهذا السبب وغيره رأيت أن أكتب هذه النبذة القصيرة عن هذا الرجل المخلص الوفي لا بل هذا الوطني المغوار والقائد العربي المقدام، تعريفا لتاريخ الآباء والأجداد العظام أولا وحفاظا عليه من النسيان والضياع في خضم هذه الحياة "الحديثة" ثانيا...
هو عقلة بن سحوم القطامي المكنى "أبو موسى" من مواليد عام  1889 ومن رجالات الثورة السورية العربية الكبرى وهو أصلا من سكان قرية "خربا" في جبل الدروز (العرب) في سوريا، عاش ونشأ فيه وأصبح صورة حية لأخلاق أهله وكان مثلا أعلى في الوطنية والدفاع عن الحرية والاستقلال، وكان من أصحاب المزارع وعلى علاقة وطيدة مع سلطان باشا الأطرش، عميد الجبل وزعيم قومه، وتربطه به صداقة حميمة، كما أنه كان يعتبر يده اليمنى وأحد أكبر مستشاريه... فلما نودي بالثورة عام 1925 قام هذا الزعيم المسيحي فلبى النداء دفعته إليه عصبيته القومية ووفاء وإخلاصا لصداقته مع سلطان باشا الأطرش، فخاض غمارها وشارك في معاركها معه جنبا إلى جنب ضد الاستعمار الفرنسي وجحافله وتحمل شدائدها وأصبح عضوا في مجلس قيادة الثورة الذي تشكل من كل من حمد عامر- فضل الله الهنيدي- محمد عز الدين - سليمان نصار - حسين مرشد- يوسف العيسمي - علي عبيد - قاسم أبو الخير- علي الملحم- وبقي ملازما له حتى النهاية إلى أن عقدت سوريا مع فرنسا معاهدة صلح سنة 1936 فعاد إلى الجبل مع من عاد من المجاهدين الصابرين الصامدين ثم عيّن عضوا في المجلس النيابي السوري في الأعوام 43 ــ 47 وسكن دمشق وعاد إلى قريته قبيل وفاته وتوفي فيها فجأة عام 1953...
وكان من ضمن الوفد الذي ترأسه الأمير حمد الأطرش والذي ضم كلا من نسيب وعبد الغفار الأطرش وفضل الله باشا هنيدي وحمد عامر ونجم باشا الحلبي وقفطان عزام وعقلة القطامي وعجاج نصر وإبراهيم أبو فخر(الملقب براعي الحيثا لفروسيته) ووالد زوجة سلطان باشا الأطرش ووالد زوجة حمد البربور (بطل الجبل)، هذا الوفد الذي ذهب قبل اندلاع الثورة لمقابلة المفوض السامي الفرنسي الجنرال ساراي في بيروت بقصد تبديل الحاكم كاربيه بحاكم وطني لأن هذا الحاكم الفرنسي كان يعرقل الوحدة مع سوريا وقد رفض الجنرال مقابلة هذا الوفد فعادوا حانقين غاضبين...   
رافق الزعيم الكبير سلطان باشا الأطرش عندما نزح إلى صحراء شرقي الأردن وأقام في النبك ووادي السرحان في وفد كبير من رجالاته المخلصين ومكث معه 12 عاما ومعهم كل من الدكتور عبد الرحمن الشهبندر والشيخ محمد الأشمر وابراهيم هنانو والشيخ صالح العلي وسعيد العاص وأحمد مريود وسعيد آغا وذلك في أعقاب استشهاد القائد البطل يوسف العظمة وزير الدفاع السوري في معركة ميسلون ضد الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال غورو عام 1920 حيث أعلن هؤلاء الأبطال على إثرها انطلاق الثورة العربية السورية "ثورة انتصار الكف على المخرز"!! على عكس الذين جروا عربة غورو!!... وعلى ذكر "جر عربة غورو" يحضرني هنا قول المرحوم شكري الشوفاني أحد وجهاء قرية معليا الذي قال: "نحن من الذين نركب الخيل ولسنا ممن يجرونها"!!...
وقد استمرت الثورة حتى عام 1937 رافعين شعار "الدين لله والوطن للجميع" حتى تحقق الجلاء ونالت سوريا استقلالها عام 1946... ولم يترك هذا الرجل الكبير عقلة بك القطامي، العربي المسيحي السوري، أخاه وصديقه ورفيق دربه سلطان باشا الأطرش، الزعيم العربي الدرزي السوري، طيلة مدة هذا النضال الطويل والمرير وعاد معه إلى الجبل بعد أن وضعت الثورة أوزارها وبقيا على العهد والوعد حتى فرقهما الموت...
لقد قامت فرنسا باعتقاله ونفيه عدة مرات كما قامت بهدم داره في خربا وصادرت أملاكه محاولة لإرهابه وكسر شوكته ولكن كل ذلك لم يثنه عن عزمه... ومما يذكر أنه إبّان مقاومة الاحتلال الفرنسي لسوريا وفي إحدى الثورات ألقى الفرنسيون القبض على المجاهد الكبير الشيخ عقلة القطامي وهو زعيم نصراني من جبل العرب وفي المحكمة توجه إليه أحد الضباط الفرنسيين الكبار قائلا: "أنا أفهم أن يقاتلنا هؤلاء المسلمون ولكن لماذا أنت ونحن مسيحيون مثلك؟!"... فأجابه الشيخ القطامي: "نعم، ولكنني أحاربكم كعربي من بني غسان!!"... وقد خابت آمال الفرنسيين في هذا الثائر الوطني الكبير عندما صاح في وجه الجنرال غورو قائلا: "إن الدماء التي تجري في عروقنا ليست فرنسية ولا بريطانية إنها عربية المنبع"!!...
ومما يروى عن حاشية سلطان باشا الأطرش والذين نزحوا معه إلى شرق الأردن،  بمن فيهم عقلة بك القطامي، أنهم كانوا من الشعراء وكانوا يلتفون في خيامهم، وقد رفضوا السكنى في بيوت من حجر، حول مواقد النار في ليالي الشتاء الباردة يروون الأشعار التي تعبر عن مشاعرهم وأحاسيسهم في بلاد الغربة وحنينهم الشديد للعودة إلى الوطن وقد تركوا وراءهم إرثا عظيما من أدبيات تلك الفترة أرجو أن يكونوا قد حفظوه لنا... 
وفي هذه المناسبة لا يسعني إلا أن أقول، وبكل مسؤولية، لأولئك الذين يشككون في قومية المسيحيين العرب أو ينتقصون من هويتهم القومية العربية أو أولئك الذين يدعون زورا وبهتانا ويطلقون تصريحات مشبوهة "أنهم أقل وطنية من غيرهم"!!، أيا كانوا، محاولين زرع بذور الفتنة والفرقة بين أبناء الشعب الواحد وخصوصا في هذه الأيام: "إن مشاركة الشيخ عقلة بك القطامي العربي المسيحي في تلك الثورة ضد فرنسا ومع غيره من إخوانه الأبطال الكثيرين الذين خاضوا عبر التاريخ معارك تحرير الوطن، تجسد موقف المسيحيين العرب الذين قاوموا الحملات الصليبية في الماضي دفاعا عن الأرض المقدسة التي ينتمون إليها والذين ما زالوا يدافعون حتى اليوم عن بلاد الشام وعن كل بلاد العرب أوطانهم التي لا يعرفون لهم وطنا غيرها!!...
ولعلي أسوق هنا للتذكير فقط وللتدليل على مواقف المسيحيين العرب القومية الكثيرة هذه القصة الطريفة عن دبلوماسية الشيخ فارس بك الخوري، مندوب سوريا في هيئة الأمم، عندما دخل مندوب فرنسا إلى القاعة قبل موعد الاجتماع الذي طلبته سوريا من أجل رفع الانتداب الفرنسي عنها ووجده جالسا مكانه على مقعد فرنسا وعبثا حاول أن يفهمه أن هذا المقعد مخصص لفرنسا وليس لسوريا ولكن فارس بك لم يحرك ساكنا وبقي جالسا في مكانه ومرت خمس وعشرون دقيقة ضاق خلالها المندوب الفرنسي ذرعا فاستشاط غضبا وما كان من فارس بك إلا أن وقف وقال له وبكل هدوء وعلى مرأى ومسمع من جميع الأعضاء: "لقد جلست على مقعدك يا سعادة السفير لمدة خمس وعشرين دقيقة فلم تتحمل ذلك فثارت ثائرتك بينما تحملت سوريا سفالة جنودكم خمس وعشرين سنة واني أعتقد أنه آن لها أن تستقل!َ!... ومن الجدير بالذكر أن سوريا نالت استقلالها في تلك الجلسة من عام  1946 !!... 

 


(شفاعمرو)