news

كي تعيد مصرَ ابتكار ذاتها

(رسالة الى الرئيس حسني مبارك)

 

1
السيد الرئيس

 

الإرادة المصريّة قادرة أن تمنع المجزرة.
الهيبة المصريّة قادرة على الترفُّع عن الحسابات الضيّقة والدّخول في تحالفاتٍ تلتفُّ على الوجدان العربي والإنساني.
الضمير المصريّ كان حريّاً أن يقف الى جانب الكتل اللحميّة المتفحّمة والمتفتّتة للأطفال الأبرياء ومنع هذا الكابوس الذي يهين قيمة الإنسان ومعناه، وتأجيل المساومات والتمارين السياسيّة الى زمن غير محكوم بالفوسفور الأبيض وأزيز الأباتشي.
الكرامة المصريّة أثقل من العنجهيّة الإسرائيليّة.
القيم المصريّة العريقة التي نهضت بالإنسان حضارةً وثقافةً ومعنى أعرق بكثير من الجنون البربريّ الإسرائيليّ الطارئ على تاريخ الحضارة الإنسانيّة.
صورة الشعب المصري حاضنة تاريخيّة لصورة الحاكم المصري وليس العكس.
شموخ أهرام مصر يرى الى علياء الفانتوم مَدَاساً يأبى تلويث أقدامه فيه.
أنثويّةُ مسلاّت مصر أبهى وأحلى من ذكوريّة أبراج إسرائيل العسكرية.
...
يحقّ لك سيادة الرئيس أن تمارس السياسة، وأن تدير الصفقات وأن تحاور وتناور... لكن، لا يحقّ لك، أخلاقيّاً وتاريخيّاً، أن تحمي أولائك اللذين أغرقوا العبّارة، وأولائك اللذين جعلوا من لحم أطفال فلسطين ولائمَ لأعياد الحانوكاه وحطباً للرّصاص المصهور في أغنيات أطفالهم.
يحقّ لك، سيادة الرئيس أن تجري بعض التمارين الصباحيّة في السياسة، لكن في النهار متّسعٌ للرؤية والرؤيا، ومُتّسعٌ للهيبة والكرامة.. فلا يحقّ لحاكم مصر أن يخلد الى النوم تاركاً خلفه شعب مصر ذليلاً جريحاً خائباً مقهوراً عاجزاً...
*

 

سيادة الرئيس

 

الدّموع التركيّة، دموعُ الرّجال، ليست أغلى من دموع شعب مصر.
صورة راشيل كوري مرفوعةٌ خارج حدود العالم العربي، في حين باتت رائحته دمها جزءاً من رائحة الوطن العربي وفلسطين.
الحَزْمُ الفنزويليّ بات حلماً عربيّاً في الوقت الذي تُخصي فيه تسيبي ليفني رجال الأمّة العربيّة جميعاً.
أردوغان بات بطلاً قوميّاً عربيّاً.
إسرائيل الغاشمة النازيّة تسمح بمظاهرات الألوف ضدّ مجازرها، والشعب المصريّ تُضرَبُ كلماته وصرخاته بالعصيّ والغاز المسيء للدموع الغالية.
*

 

سيّدي الرئيس


حربنا ليست معك، حربُنا مع القاتل.. حربٌ لن نتخلّى فيها عن معنى الإنسانيّ فينا، وعن معنى الحضاريّ فينا.. لكن عتبنا عليك يا حاكم مصر.
للتاريخ عيونٌ أوسع من عيون الحكومات والسياسات الحاقدة.
لا أرى الى فلسطين قضيّةً دينيّة.. ولا أرى الى حماس ممثّلاً للتركيبة الإنسانيّة والحضاريّة والثقافيّة الغنيّة في فلسطين، وأنا ضدُّها سياسياً وفكريّاً أكثر منك يا سيّدي الرئيس.. لكن، ليس هذا هو الوقت للنقاش والحساب والإنتقام..
الأجساد اللحميّة البشريّة الصّغيرة التي تواجه الطائرات بعُريها أبهى مِنّا جميعاً وأقدس.

 

السيّد الرئيس

 

لقد أسأت الى شعب مصر وتاريخ مصر ومعنى مصر.. وعلى مصر الآن أن تعيد ابتكار نفسِها من جديد، وقبل فوات الأوان.

 

(فنان فلسطيني)
الناصرة، 8 كانون ثاني 2009