news-details

علاقات إسرائيل – الولايات المتحدة لن تكون في أي وقت محصنة \ الداد شبيط وتشيك فرايلخ

 

بعد قطيعة لشهرين بادر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى اجراء مكالمة هاتفية مع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو. من بيان البيت الأبيض حول المكالمة تبين أن الرئيس الأمريكي يعزو بالأساس للقضيتين الاساسيتين في الوقت الحالي مصدر القلق في الإدارة الامريكية: الساحة الفلسطينية – شبيها ببيانات سابقة، عاد الرئيس الأمريكي الى طلبه من إسرائيل والسلطة الفلسطينية بالتعاون من اجل زيادة التنسيق الأمني وتجنب القيام بخطوات يمكن أن تخرب إمكانية الدفع قدما بحل الدولتين. الرئيس بارك اللقاء الذي عقد في شرم الشيخ بين شخصيات رفيعة، سياسية وامنية، إسرائيلية وفلسطينية ومصرية واردنية وامريكية، الذي استهدف حسب الإدارة تقليص التوتر بين الطرفين. أقوال الرئيس تضاف الى تصريحات كثيرة لشخصيات أمريكية رفيعة في الأشهر الأخيرة، التي عكست تخوفات الإدارة من التطورات في الساحة الفلسطينية وإمكانية التدهور على الأرض. هذا الواقع سيجبر الإدارة الامريكية على استثمار موارد دبلوماسية في الوقت الذي فيه حسب رأيه يجب تكريسها لساحات أخرى – المنافسة مع الصين والحرب في أوكرانيا. الإدارة الامريكية تستخدم الضغط الشديد على إسرائيل والفلسطينيين من خلال الادراك بأن الفترة القريبة القادمة عند بداية شهر رمضان يمكن أن تؤدي الى اشتعال، وطلب منهم، كما تم التعبير في البيان الذي نشر في نهاية اللقاء في شرم الشيخ، اتخاذ خطوات ملموسة مانعة.

 التشريع القضائي

الرئيس الأمريكي أشار الى أن "قيم الديمقراطية دائما وقفت في أساس العلاقة بين الدولتين. وهكذا يجب أن تكون في المستقبل أيضا"، قال. "تغيير جوهري في جهاز القضاء يجب تنفيذه من خلال الاستناد الى إجماع جماهيري الواسع بقدر الإمكان". الرئيس عرض دعمه للجهود المبذولة لبلورة تسوية ترتكز على المبادئ الأساسية المتبعة في المجتمعات الديمقراطية، التي تقتضي اجراء تغييرات جوهرية فقط مع الحفاظ على الأساس الواسع جدا الممكن لتأييد الجمهور. ويجدر التأكيد على أن هذه هي التصريحات الأكثر أهمية حتى الآن للرئيس الأمريكي، التي تعكس قلق حقيقي من أن خطوات التشريع التي تقودها الحكومة يمكن أن تمس بالقيم التي شكلت دائما الأساس الرائد في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. إضافة الى ذلك فان الرؤساء الأمريكيين تجنبوا بشكل عام التدخل في شؤون إسرائيل الداخلية. بناء على ذلك يبدو أن قرار الرئيس الأمريكي مناقشة القضية في المكالمة الهاتفية مع نتنياهو يدل على القوة الاستثنائية للتخوفات في داخل القيادة العليا في أمريكا من تداعيات التشريع.

مكالمة الرئيس الأمريكي مع الرئيس نتنياهو لا تترك أي مجال للشك بأنه رغم الأساس المتين للعلاقة بين الدولتين والصداقة العميقة للرئيس بايدن بإسرائيل، فان الإدارة الامريكية لا تخفي الامتعاض والقلق من الخطوات التي تقوم بها الحكومة. تعبير بارز على ذلك هو تلعثم (أيضا اثناء المحادثة الأخيرة) الرئيس الأمريكي في دعوة رئيس الحكومة نتنياهو الى البيت الأبيض. عدة تطورات مقلقة أخرى في الساحة الامريكية تشير الى خطر حقيقي سيهز القاعدة الصلبة التي أقيمت عليها شبكة العلاقات بين الدولتين، والتي مكنتهما من الحفاظ عليها حتى رغم الخلافات:

استطلاع جديد اجراه معهد "غالوب" اظهر أنه للمرة الأولى اكثر من 49 في المئة من المستطلعين المحسوبين على الحزب الديمقراطي يتماهون مع الفلسطينيين اكثر مما يتماهون مع إسرائيل (38 في المئة). النتائج اشارت الى ارتفاع يبلغ 11 في المئة في تأييد الفلسطينيين فقط في السنة الأخيرة. زيادة التأييد للفلسطينيين واضحة أيضا في أوساط الناخبين الذين يعتبرون أنفسهم مستقلين، وأيضا في أوساط الذين ما زالوا في معظمهم يعبرون عن دعم إسرائيل. في المقابل، لا يوجد أي تغيير في مستوى دعم إسرائيل المرتفع في أوساط الناخبين الجمهوريين. في حساب اجمالي إسرائيل ما زالت الرائدة، لكن الفجوة تقلصت. هذه المعطيات تضاف الى المعطيات التي اظهرتها استطلاعات سابقة، التي عبرت عن توجه برز في السنوات الأخيرة – حتى لو كان معظم الديمقراطيون ما زالوا يتمسكون بموقف إيجابي تجاه إسرائيل إلا أن التأييد تآكل، والأكثر أهمية هو الابتعاد عن إسرائيل في أوساط الشباب المحسوبين على الحزب الديمقراطي. يشار الى أن معظم يهود أمريكا يصوتون للحزب الديمقراطي، وبالتحديد الجناح الليبرالي، اذا لم يكن للجناح التقدمي.

 

 السناتور الديمقراطي المؤثر، كريس ميرفي، الذي يشغل منصب رئيس اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط والمعروف بمواقفه المؤيدة لإسرائيل، صرح بشدة ضد سياسة إسرائيل وقال إن الإدارة الامريكية يجب أن تزيد الضغط على حكومة إسرائيل. حسب قوله "سواء كان الامر يتعلق بوضع شروط لمساعدة إسرائيل أو أن تكون شروط للزيارة في الولايات المتحدة، على الإدارة الامريكية ارسال رسالة واضحة بأن تهديد إسرائيلي لحل الدولتين سيضر جدا بالعلاقات بين الدولتين على المدى البعيد". ميرفي هاجم أيضا خطوات الحكومة في الموضوع القضائي وقال "هذا يقوض الأسس التي تربط بين الإسرائيليين". ومن الجدير التأكيد على أن توجهات مناوئة لإسرائيل برزت حتى الآن بالأساس في أوساط مشرعين محسوبين على الجناح التقدمي الذي يكثر من تحدي المؤسسة الديمقراطية من اليسار. ولكن يبدو أنه مؤخرا المقاربة التي تقول بأنه يجب اشتراط المساعدات الأمنية المعطاة لإسرائيل بسياستها في القضية الفلسطينية تتعزز أيضا في صفوف المشرعين الديمقراطيين من التيار الرئيسي.

 

معظم الشهادات تشير الى أنه حتى لو حرصت الإدارة الامريكية حتى الآن على التأكيد على التعاطف مع إسرائيل وعلى الالتزام بأمنها، فان التوتر بين الدولتين أصبح يؤثر على العلاقات بينهما. على المدى القريب القضية الفلسطينية هي بؤرة التهديد الرئيسية. خطوات إسرائيلية تنحرف عن الوعود التي تم الاتفاق عليها في اللقاءات التي أجريت مؤخرا في عمان وفي شرم الشيخ، خطوات اخرى أحادية الجانب، وضمن ذلك التشريع المتوقع الذي سيلغي الانفصال في شمال الضفة (الذي في الأصل كان نتيجة وعود أعطيت للأمريكيين)، يمكن أن تزيد بشكل كبير امتعاض الإدارة الامريكية. في المقابل، يجب التعامل بجدية مع الإشارات التي تطلقها الإدارة الامريكية وهي أن تشريع من اجل تغيير وجه جهاز القضاء بدون اجماع واسع، يمكن أن يغير، حسب رأيها، الطابع الديمقراطي لإسرائيل، ونتيجة لذلك هو سيقوض قدرتها على اظهار أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة على اعتبار انها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وحليفتها الاستراتيجية.

الامن القومي لإسرائيل تأسس على مر السنين، ضمن أمور أخرى، على شبكة العلاقات الخاصة التي تم الحفاظ عليها بينها وبين أمريكا. وقد ساعد على ذلك التفهم في واشنطن بأن الدولتين تتشاركان في قيم مشتركة مثل الحرية والديمقراطية وحماية حقوق المواطن. وأنه حتى لو نشأت خلافات إلا أن الدولتين تتفهمان وتحترمان مصالح بعضهما. الإدارات الامريكية حرصت، الديمقراطية والجمهورية، وأحيانا امام انتقادات داخلية، على التمسك فعليا بالالتزام "بأمن ورفاه" إسرائيل. وقد استند التعاطف في المنظومة السياسية الامريكية الى الادراك بأن الشعب الأمريكي ينظر بإيجابية للعلاقة والالتزام بأمن الدولة اليهودية.

يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تأخذ في الحسبان بأن التقدير الأمريكي (في الإدارة وفي الكونغرس) بأن "القيم المشتركة تضررت" وأن إسرائيل تعمل خلافا للمصالح الآنية لأمريكا، يمكن أن يضر بالعلاقات الحميمة بين الدولتين، خاصة في هذه الفترة الحساسة حيث التحديات الأمنية، لا سيما من ايران التي تواصل وبشكل حازم الدفع قدما بمشروعها النووي، تحتاج الى تعزيز التنسيق بين الدولتين (الموضوع الإيراني ذكر على هامش بيان البيت الأبيض بخصوص المكالمة بين بايدن ونتنياهو).

حتى ولو كان يجب على إسرائيل الدفاع عن ما تعتبره مهم لأمنها القومي، فانه في الفترة القريبة القادمة يجب إعطاء أهمية عليا ومنح أولوية للحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة، بالأساس القدرة على إبقاء علاقة جيدة مع زعماء الدولتين. يبدو أن الإدارة الامريكية لن تتردد في الرد بتحفظ وبصورة انتقادية اذا قدرت أن إسرائيل تعمل بشكل مخالف للقيم الأساسية والمصالح المشتركة، وبالتأكيد اذا تنكرت لوعودها فيما يتعلق بالساحة الفلسطينية. الرد الأمريكي يمكن أن يجد تعبيره في المدى بين ادانات علنية وحتى تآكل مستمر للدعم الذي تحصل عليه إسرائيل من الولايات المتحدة في المجال السياسي والاقتصادي والأمني. سلوك إسرائيل وخصائص العلاقة بين الدولتين ستكون لها أهمية كبيرة على المدى البعيد إزاء عمليات ديمغرافية واقتصادية واجتماعية تحدث في الولايات المتحدة، التي حتى لو كان جزء منها لا يرتبط مباشرة بإسرائيل إلا أنها ستساهم في تآكل التزام أمريكا بعيد المدى تجاه إسرائيل. والتجاهل في إسرائيل لهذه الاخطار يمكن أن يكون كارثي على مصالح إسرائيل، حيث أنه توجد لها إمكانية كامنة للمس، عاجلا أم آجلا، بشبكة العلاقات الخاصة بين الدولتين.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب