news-details

كل جولة قتال في غزة تزيد "دائرة الضرر الجانبي" وتبدو اقل فأقل منطقية | عميرة هاس


في عقل امرأة ابنة 78 عامًا والتي تنام مريضة في بيتها في خان يونس تقلصت الـ 75 عاما الاخيرة في لحظة واحدة، في نيسان أو ايار 1948. حينئذ هربت سوية مع عائلتها من بيتهم في يافا من ذعر القصف الذي قامت به "ايتسل" و"الهاغناة". هم ظنوا أنهم سينتقلون يومين أو ثلاثة وبالحد الأقصى أسبوع او أسبوعين وسوف يعودون. أول أمس فاجأت ابناء عائلتها عندما استيقظت بعد يومين من فقدان الوعي. من اقوالها غير الواضحة فهم ابناؤها وبناتها بانها تعتقد انها اعادت ثانية لتصبح نفس الطفلة ابنة الـ 12 عاما الذي انقلبت حياتها خلال ساعات.

"هذا غير مرتبط بعمليات القصف الاخيرة. أنا لا اظن أنها تعرف اننا في حرب جديدة"، قالت لي حفيدتها. "هذا معروف: المسنون لدينا، حتى عندما يفقدون ذاكرتهم، فانهم يتذكرون أنفسهم في وقت النكبة. وفكرت في نفسي: عندما اصبح عجوزة ربما اكون مصابة بالزهايمر سوف أنسى كل شيء واتذكر فقط تلك الحرب الفظيعة في 2008 عندما كنت ابنة 12 عاما".

يوجد هنا كل المواد لتقديم ملاحظة وقائعية – غير صدامية أو جدلية أو سردية – عن النكبة المتواصلة. هذه ببساطة حقيقة. النكبة، كارثة الطرد والتهجير من الوطن، لم تتوقف للحظة منذ ان حولنا الفلسطينيين الى شعب من اللاجئين. وهم – وكم هذا محزن – يرفضون التكيف والاستسلام. هذه نقطة البداية الضرورية لفهم العقدة السياسية – العسكرية – الاجتماعية – الانسانية التي هي الوضع الاسرائيلي – الفلسطيني.

ولكن أعمام محدثتي مشغولين في مشكلة أكثر خطورة: يوجد لامهم موعد لغسيل الكلى، ولكنهم يخافون الخروج للخارج ونقلها الى المستشفى. ماذا لو أن الجيش الاسرائيلي حصل على صورة السيارة من أحد الطائرات المسيرة الكثيرة التي تحلق فوق غزة، والمجندات والجنود الذين يحللون الصور قرروا أن من يخرج في هذه الساعة هو مطلق للصواريخ، وأحد قادتهم يتفق معهم ويأمر باطلاق صاروخ نحو هذه السيارة.

"في الانتفاضة الاولى رشقنا حجارة، الان يوجد لدينا صواريخ". قال لي في أحد المرات بفخر، واحد من نشطاء حماس ليس في الذراع العسكري. بالنسبة لنا كان لدينا مدفع "الدافيدغا" واليوم يوجد لدينا انواع من القنابل والطائرات التي لا تسمح الرقابة بذكرها. كل طرف يتفاخر بالتطور وزيادة النجاعة للسلاح الذي يمتلكه، ولكن الفصائل الفلسطينية تعيش في انكار متواصل: الفجوة ما بين ترسانتهم والترسانة الاسرائيلية فقط تزداد اتساعا.

"كنت استعد للنوم. فجأة شعرت بالموجات الارتدادية. مثل هزة ارضية. فقط بعد ذلك جاء الصوت"، قالت حفيدة المرأة العجوز من خان يونس والتي اعرفها منذ طفولتها عن القصف الذي وقع يوم الثلاثاء فجرا. "اعتقدت أنه مثلما هو الحال دائما، اليهود يقصفون مناطق مفتوحة، قواعد فارغة للجهاد أو حماس". لقد استخدمت المفهوم الدارج لدى الفلسطينيين، والذي يؤلمني، ولم تشعر بحاجة لترجمة كلمة "اليهود" لـ "الجيش" من أجلي.

"منظمات المقاومة لدينا أطلقت نحو اسرائيل وعرفوا بانه لن يقتل اي إسرائيلي"، واصلت. "الجيش قصف وعرف بانه "لن يقتل فلسطينيون. وهكذا فان كل واحد يرد الثاني وبعد ذلك نعود للحياة الروتينية. فقط بعد ربع ساعة من القصف بدأت بسماع تقارير عن نساء واطفال قتلوا. صديقتي وعائلتها يسكنون في نفس مبنى عائلة رجل الجهاد الاسلامي طارق عز الدين. هم كانوا في الشقة عندما قصف البيت. ولكن لحسن الحظ هم لم يصابوا. فقط كل شقتهم دمرت تماما. صديقتي خرجت من الشقة ورأت جثثا على الدرج".

أقوالها تقدم تذكارا عن قدرة الصمود التي لا تصدق للفلسطينيين. "نحن أبطال رغم انفهم"، قال لي اصدقائي في غزة في 2008 وفي 2012 و 2014 و 2021 – وكذلك في الاقتحامات والهجمات العسكرية التي لم تحظى بوصف "حرب". مع كل حرب "البطولة رغما عنك"، تصبح أصعب.

أمس ظهرا تحدثت مع صديقتي الشابة، في حين كانت اجهزة إطلاق الجهاد الاسلامي ما زالت صامتة وتحذيرات "اللون الأحمر" لم تقطع بعد بث الراديو الاسرائيلي. الجميع ينتظر رد الجهاد، قالت. "منظر الاطفال التي قتلتهم اسرائيل صدم الجميع". للحظة، وكأنها كانت خبيرة بشؤون الجهاد او بالاستراتيجية العسكرية، سألتها ما هو رأيها في أن التنظيم لم يرد. "حتى ابقاء الاسرائيليين في حالة خوف هذا يعتبر سلاحا". أوضحت، "المشكلة اننا نحن ايضا خائفون. الانتظار احيانا يكون أاصعب من لحظة القصف نفسها. ايضا أنا اعتقد أن على الجهاد ان ترد ولكن انا لا اتشوق لحرب جديدة".

هذه شهادة من مصدر أول عن التناقضات الداخلية التي تدور في قلب كل واحد وواحدة. لم انتبه فيما اذا كانت قد قالت ان على حماس ايضا أن ترد. كحزب سلطة، يوجد لحماس اعتبارات تختلف عن اعتبارات التنظيم العسكري الصغير. في حماس لا يحبون المقارنة ولكنهم مروا بمراحل شبيهة بتلك التي مر بها خصومهم في فتح في الانتفاضة الثانية. ايضا هم يستوعبون التناقض والتوتر ما بين حركة تحرير وبين حكومة لديها موظفين ومسؤولية عن دفع رواتب وعن أداء المدارس.

صديقة اخرى لصديقتي والتي اصيبت بالسرطان وشفيت منه بعد العديد من العلاجات وحب الحياة – حدد لها دور في المستشفى في القدس، يوم امس. الدور حدد بعد جهود، والسلطة اعطت تعهدا ليس مفهوما ضمنا بتغطية التكاليف. ولكن المعابر أغلقت، "كم من المرضى الاخرين الذين كان يجب أن يسافروا للعلاج الذي سينقذ حياتهم لم يسافروا"، تساءلت صديقتي.

المستشارة القضائية للحكومة غالي بهراب ميارا، التي صادقت على قتل كبار قادة الجهاد الاسلامي وقتل أبناء عائلاتهم، فكرت بالتأكيد بتعبيرات "ضرر جانبي" و"متوازن". الضرر الجانبي والمتوازن (كما يبدو) هم المدنيون الذين ازهقت أرواحهم، والكثير من دوائر الالم والمعاناة الاخرى: الجرحى، الصدمات التي تظل طوال الحياة، العلاجات الدوائية للتوتر والهلع والسكري والتي تطورت بسبب القلق والخوف والاكتئاب واللامبالاة وضياع ايام وشهور الدراسة، والعلاجات الطبية التي تم تأجيلها او الغاؤها. كل هذا دون ذكر الدمار المادي الهائل.

الكتابة – بالتأكيد لعمود تحليلي لصحيفة – هي عمل انساني يجمع مؤهلات المنطق والدراسة، والتجربة والابداعية وتستعين بها من اجل نقل رسالة واضحة وتوضيحية. ولكن يصعب أن نجند ثانية الابداعية من اجل أن نصف الدمار. وما العمل عندما تجد الكاتبة صعوبة في ان تصف المرة تلو الاخرى المنطق الذي يقف وراء كل جولة قصف، واطلاق نار وقتل. سواء كان هذا منطق مدفوع باعتبارات سياسية وتنظيمية لحظية، او عسكرية طويلة المدى، او قومية – وطنية. عندما يكون المنطق غير منطقي تماما، فان الكلمات تتوق الى أن تقف صامتة.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب