news-details

رقم الهاتف المطلوب لا يمكن الاتصال به | جهاد حمدان

 

لم يستيقظ مبكراً اليوم كعادته فقد أطال السهر ليلة رأس السنة. جلس في البلكونة الدافئة المطلة على الحديقة ونظر إلى الثلج الذي غطاها فبالكاد ظهرت رؤوس الشجيرات. ليلة باردة زمجرت فيها الريح فاضطرت الغزلان والذئاب وربما غيرها من الحيوانات لتهبط من سفح الجبل وتلوذ في ثنايا المنازل القريبة ناشدة بعض الدفء والأنس.

أخرج هاتفه الخلوي وأرسل إلى ما تيسر من أصدقائه رسائل تهنئة بالعام الجديد. تحوّل من تطبيق الواتس آب إلى تطبيق الهاتف. بحث في قائمة الاتصال واختار الاسم. تسمّر امام الاسم فهو يعرف صاحبه حق المعرفة، يتصل به منذ مدة طويلة لحظة دخول الفاتح من كانون الثاني مهنئا بالسنة الميلادية الجديدة ومتمنيا له طول العمر مع موفور الصحة والعافية، لكنّه لسبب ما لم يفعل ذلك هذه المرّة. همّ بالضغط على صورة الهاتف المحاذية للاسم ليبدأ الاتصال لكنّ صوتا خافتا تسلل من المطبخ: القهوة جاهزة!

انسلّ من الشُرفة، وجلس على الطاولة وراح يرشف فنجانه ببطء شديد كأنه لا يريد له أنْ ينتهي. رنّ الهاتف ويا لهول المفاجأة: إنّه هو. كيف سبقني واتصل؟ هو لم يفعل ذلك على مدى عشرين عاما. نعم لم يفعلها منذ ودّعني في المطار هناك لألتحق بالجامعة لدراسة الماجستير هنا. أهو التخاطر؟ هل عرف أنّي كنت سأتصل به؟ كل هذا والهاتف يرن إلى أنْ استهلك كامل شوطه المبرمج وهمد. تحسس رأسه، نظر حوله فرأى زوجته تحملق فيه. لماذا لم ترد؟ أهو هاتفٌ من البلاد؟ قال نعم. ولم ينتظر مزيدا من الأسئلة.

استحضر ذات الاسم وضغط على زر الاتصال... صمتٌ قصير ثم جاء الردّ الآلي: رقم الهاتف المطلوب لا يمكن الاتصال به. عاود الاتصال عدة مرات ولم يتغير الرد. مضى يوم، يومان، ثلاثة ولم يُعِدُ الرقمُ الاتصال. أمّا هو، ففقد رغبته في الاتصال. تحوّل إلى الواتس فوقعت عينه على رسالة من هناك. تردّد في فتحها. لكن لماذا يترك للهواجس أنْ تفعل فعلها، فصاحبُ الرسالة مجرد زميل دراسة قديم كاد ينساه. ضغط على الرسالة فقرأ: عظّم الله أجركم. سألت عنك على المقبرة فقالوا لم يتمكن ابنه الدكتور من الحضور بسبب ضيق الوقت وعدم توفر حجوزات من بلاد برّا. كان المرحوم صديق والدي لهما الرحمة. نلقاك على خير.

سقط الخلوي من يده، نزلت دمعة.

تململ، فتح عينيه، نظر إلى الساعة فرآها تجاوزت السابعة صباحا. جاءه الصوت إيّاه: الأولاد صاروا في السيارة. هرول نحوهم بلا قيافة ولا هندام. أدار المحرك وغاب وسط الزّحام.

 

/ كاتب وأكاديمي أردني

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب