news-details

اعترافات عاشقة نادمة | مارون سامي عزّام

بقيتَ جسمًا غريبًا تَسْبَح بحُرِّيَّة داخل جسدي، وعندما وصلتَ عقلي ضايقتني كثيرًا، أخرَجتَ خلية ذاكرتي من وَكْرِ النسيان، واستفَزَزْتها لتحرِّضها ضد إساءتي لكَ... في تلك اللحظة بدأت خلية ذاكرتي أيضًا تضطّهد تفكيري، تتعرّض لأفكاري السائرة لوحدها على الطريقٍ المرصَّع بفسيفساء الحاضر بلا مرافقة العتاب، فَانتشَلَتْ منها ودائع راحة البال، هاجمتني بسلاح النّدم!! 

لا أنكر أنّي حاولتُ أن أدوس على طيفكَ الذي ما زال يلاحق مناماتي، حاولتُ التحايل عليه بإبعاده عن مُجَمَّع ذكراكَ الذي يجمعني بكَ ليلًا، ولكن لم أقدِر أن أُفَرِّق بين ذكراك وتذكاري، لأن طيفكَ يَعْلَم أنّي لا زلت معجبة بشخصيتك التي ما زالت تؤثّر على تصرّفاتي، تُربك أحاسيسي كثيرًا كلّما رأيتك أو لمحتك، فَرَضَها عليّ ضميري المتيقِّظ دون أن أشعُر. 

أنا بالنسبة لكَ مجرّد جرح سطحي لم يترك ندبةً... رفضتُ أن أضيف اسمك إلى قائمة الذين رفضتهم قبلكَ، لأنك من طرازٍ آخر، استَطَعْتَ الصُّمود أمامي، لم تُزَحْزِح عاطفتكَ تجاهي، أمّا البقيَّة فجرفهُم سَيل ولعهم بي. بقيتَ شامخًا، لم تنظُر إلى عتبة ضَعفي، قدَّرتَ قيمة مشاعرك بمكيال عزة نفسك. حاولتُ مرارًا أن اقتنص نظراتك الحادة كالطّير الجارح، حاولتُ ضبط ابتسامتك تركُض نحوي، ولكن عبثًا!!، فجَرَرْتُ عربة ماضيَّ نحو هاوية القدر، وأنت احترفت كار القسوة معي دون رأفة منكَ.

أقولها بمنتهى البساطة، ليس من السهل أبدًا أن يهتف قلبي لإنسان رأيته للوهلة الأولى، إلّا أنّي أطلقتُ العنان لخوفي منكَ، وهرَبتُ من مواجهتكَ. فكّرتُ آنذاك أن أفصلك عن أجهزة تكيُّفي التي ربطتك بها كل هذه المدة، لأجعلك تتنفس بشكل طبيعي... لتغمس لقمتك في صحفتي كشريك حياتي... لتشرب من قارورتي كالظمآن، وعِوَض ذلك أثَرتُ فوضى تجاهل هذه العلاقة. قتلتُ آدميَّتي مع سبق الإصرار، لأنّي كنتُ متحسِّسةً من فتح قناة حوارية سرية بيننا، قد توصلني إلى دربٍ مسدود، إنّها ذريعة سخيفة تبتدعها العاشقة!!

تخوّفي الوحيد كان أن ألتزم لكَ، لذا خفتُ من استمرار العلاقة التي ستنتهي بالزواج!! ممّا جعلني أتوتَّر، فأصدرت حكمي عليكَ حالًا مثل قاضية في محكمة ميدانيّة ظالمة أفقدَتني نزاهتي، من أجل التخلّص منكَ بأية طريقة. أنا أتحمَّل عبء الذنب الذي اقترفته بحقِّ نفسي غير المتسامحة معي، ولن تتغاضى عن شناعة فِعْلَتي! لو نَـمَت عناقيد الإنسانية عندي لتعاطفتُ مع ظروفكَ. 

هذه صرخة مدوِّيَة من عاشقة صمّاء لا تَسمع ذاتها... لا تفهم بإيماءات العشق، واعترافي الأخرس يعجز عن التعبير، فقط أنا أفهم تلميحاته الموجّهة لنفسي. أنا في ضائقة حرجة جدًّا، لأنّي فعلًا بدأت أحبكَ... فهل أنا مخطئة عندما قرّرتُ مراجعة تصرّفي معكَ؟!! فقد رَسَبتُ في امتحان تقبُّلكَ، حتّى صرتُ بنظركَ قفرًا خاليًا من الحياة التي كنتَ تودّ أن نعيشها سويًّا...   

هذه الاعترافات تُثْبِت جديّة أقوالي، ومستعدة أن أخُرَّ أمام مذبح الاعتراف لأعترف أنّي كنتُ مُغيَّبة عن واقعي. لم أعُد أحتمل اهتزازات كياني نتيجة تصادمه مع مفاهيمي، لأنّكَ ما زلتَ تحتلّه. لم أعد أميّز الليل من النهار، الفجر من الغسق، لقد تحوَّل صيفي خريفًا، رجَمَني زلزال الزّمن بحجارة جهلي السوداء، يريد تحطيم مزهريات كبريائي... يريد أن يُفهمني أنّي هذه المرّة خسرت كثيرًا وانتهى الأمر... 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب