news-details

الذكريات الصادمة التي يرويها الراحل عبد الرحمن النجاب | يوسف عبدالله محمود


“إننا عازمون على المحافظة على كرامتنا وسيادتنا ضد الاستعمار الجماعي والمقنّع”

“عبد الناصر”

 

المهندس عبد الرحمن رشيد النجاب هو شقيق المناضل الفلسطيني الراحل سليمان النجاب.

الذكريات الصادمة التي يرويها عبد الرحمن النجاب استوقفتني وأنا أقرأ كتابه “جيبيا أول المشوار 1923” وجيبيا هي مسط رأسه، قرية قرب رام الله.

في احدى هذه الذكريات يقول: “كنت في زيارة الى المرحوم عبد القادر الحسيني في قرية عين سينيا عام 1948، وبينما كنا نتحدث حول احوال البلاد وأخبارها، صَمت قليلاً، وهو ينظر الى حيث يأتي بعض المجاهدين، انتظرهم حتى اقتربوا وقال متسائلاً: هل من جديد؟ أجابه أحدهم: لقد استلمنا للتو شحنة من الاسلحة من مصر وفيها خمسة مدافع من نوع “برن”. بدا الارتياح على وجهه وطلب منهم ان يبادروا الى تفقدها. لم تدم مشاعر الارتياح طويلاً، فسرعان ما عاد أحدهم بالمعلومة التالية: لا يمكن اصلاحها فجميعها ينقصها قطع الغيار. وسأل: لماذا اذن اشتريت ونقلت وهي في هذه الحالة؟" (الكتاب ص 16)

ذكرى صادمة بلا شك، تفضح الجهة العربية التي ارسلتها.

أما الذكرى الثانية التي يسوقها النجاب، فهي تبرز ما أسماه “علاقة الشعوب”، يقول: “هناك يهودي “ابو هارون” كان مأمور أحراش رام الله ايام الانتداب البريطاني، دعاه والدي -والكلام للنجاب- للغداء، ثم سأله ماذا تراكم فاعلين أمام هذه الجيوش العربية السبعة؟ فقال: هل تريدون إطعامي ام إزعاجي؟، وبعد تناوله الطعام قال: الآن اجيبك على سؤالك، سيكون الخاسرون الشعب اليهودي والشعب الفلسطيني، فالحكام هم الحكام، فإذا وضع جلوب عصا فلن يستطيع أي أحد من جميع الأطراف تحريكها”. (المرجع السابق ص 16)

أما الذكرى الثالثة التي يسوقها فتتحدث عن ضابط بريطاني وتدل على سوء تصرفه وخبثه. يقول النجاب: هذا الضابط كان له طباخ مصري، وقد بلغه انه كثير الكلام ودائم التعليق وَذمَ سلطات الانتداب، والعجيب انه لم يطرده جزاء له، بل راح يكرمه ونقله الى البوليس بدلا من العمل في المطبخ، وعجّل له في الترقيات الى ان بلغ رتبة شاويش وعندها طرد من الخدمة.

تساءل الناس عن الغاية من هذا الاسلوب؟ ولماذا لم يطرده منذ البداية ما دامت النتيجة النهائية هي الطرد؟ فأجاب المتسائلين: لو طردته طباخاً لوجد مئة فرصة للعمل، اما الآن فليبحث عمن يعينه شاويشاً! أما ان يعود للعمل طباخاً فقد باتت نفسه تأبى ذلك”. (المرجع السابق ص 58)

انه السلوك الشائن الذي يضرب مثلاً على إجرام المستعمر البريطاني الذي أجرم بحق شعب فلسطين حين منح وعد بلفور لليهود ليقيموا دولتهم المزعومة على التراب الفلسطيني.

يستذكر المرحوم النجاب، فهو الآن في ذمة الله، مقولة لموشيه ديان قالها في اعقاب حرب 1948: “ليس هناك قرية يهودية واحدة في هذه البلاد لم يتم بناؤها فوق موقع لقرية عربية”. (المرجع السابق ص 62)

إجرام ما بعده اجرام، ارادوا تشويه التاريخ، وتغيير معالم ارض فلسطينية احتلوها بدعم من الامبريالية العالمية.

وعن قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947 يقول النجاب: “كان قرار التقسيم مُجحفاً بحق العرب من جميع النواحي اذ اعطى لليهود ما نسبته 56% من اراضي فلسطين ولم تكن نسبتهم تتجاوز في ذلك الوقت 31% من السكان في حين اعطت للعرب 44% من الارضي بالرغم من كنهم يمثلون 69% من مجموع السكان.

وبعد اين العدالة في عالم تحكمه اليوم امبريالية عالمية تتعامل مع القضايا العالمية بمعايير مزدوجة؟ قرار 181 نفسه تم دفنه رغم انه قرار مُجحف بحق الشعب الفلسطيني.

أما اليوم فإن سقف المطالبات الفلسطينية يعادل 22% من مساحة فلسطين فقط ولم تحصل عليه بعد.

يبقى أن اقول ما نردده دوماً: ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، قول ينبغي تفعيله لا ان يكون مجرد شقشقة لسان!

هذه المفردات بحاجة الى ارداة سياسية لا الى مجرد خطب وتصريحات تدغدغ المشاعر.

وهنا اقتبس ما ذكره المفكر الكبير عبد الحسين الهنداوي في مقاله له بعنوان “تأملات في الاستبداد الشرقي” منشور في مجلة “الاغتراب الأدبي” التي كانت تصدر في لندن. يقول: “لقد شَخّصنا عاهة الغرب الذاتية، لكن في لاوعينا العنيد تناسينا ان نشخص عاهة أخطر فينا”. (الاغتراب الادبي: العدد السابع، 1987، ص 8)

هذه العاهة هي التفاخر بما حقق الاجداد من أمجاد في الماضي بينما حاضرنا مظلم مُكفهر.

اختم بهذه المفردات المليئة العميقة للرئيس الراحل عبد الناصر التي اتمنى ان تحرك المياه العربية الراكدة التي طال عليها الامد. “ارفع رأسك يا اخي قد مضى عصر العبودية”، “ان النصر حركة، والحركة عمل، والعمل فكر”، “اللهم اعطنا القوة لندرك ان الخائفين لا يصنعون الحرية”، “الوحدة موجودة فعلاً بين ابناء الشعب العربي، ان الخلافات قائمة بين النظم والحكومات”.

متى نستوعب هذه المفردات؟ متى تسكن اعماقنا؟ متى نطبقها؟ متى نؤمن بها؟

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب