news-details

فتح تخدع نفسها بعرضها استئناف التنسيق كانتصار

*المناكفات المتسلسلة لمحمود عباس وبعدها استئناف العلاقات هي تكتيك للبقاء. ولكن الاتفاقات هي مادة في أيدي اسرائيل. ومن اجل أن يبقى اقتصاد السلطة الفلسطينية يراوح في الحد الادنى يجب على السلطة أن تدفع لاسرائيل بعملة التنسيق الامني*

 

مساء يوم الثلاثاء الأخير، بعد فترة قصيرة على اعلان السلطة الفلسطينية الاول عن استئناف التنسيق الامني مع الجيش الاسرائيلي والشاباك، كتب عضو غير منضبط من فتح في حسابه في الفيسبوك: "أنا أخشى من أن يعلنوا استئناف التنسيق وكأنه انتصار على الاحتلال، وأن يحولوا هذا اليوم الى عيد وطني".

وكتب ذلك بصورة ساخرة لكنه أظهر أنه يعرف بشكل جيد قيادته. فبعد بضع ساعات على ذلك ظهر في التلفزيون المحلي حسين الشيخ، وزير الشؤون المدنية والشخصية الرفيعة في فتح، واعلن عن استئناف التنسيق، وقال إن "هذا انتصار استثنائي لصمود الشعب وعظمة رئيس الشعب، محمود عباس". هذه هي المرة الاولى في فترة حكومة نتنياهو، قال الشيخ، التي يقوم فيها مصدر اسرائيلي (منسق اعمال الحكومة في المناطق كميل أبو ركن) بالتعهد وبتوقيعه بأن اسرائيل تلتزم بالاتفاقات. 

في الشبكات الاجتماعية سارع الفلسطينيون الى صنع الحلوى والسخرية من هذا الانتصار. "هل ربما اكون قد أصبت بالكورونا واصبحت غير قادر على تذوق هذا الانتصار؟"، تساءل شخص ما وحصل على ردود ذكية اخرى. في صفحة في الفيس بوك باسم "هذا ليس واقعنا" تم نشر فيديو قصير لاغنية ترتكز على لحن شعبي لمطرب بدوي من مخيم النصيرات للاجئين، الذي تحوّل مؤخرا الى مطرب مشهور جدا في الحملة الانتخابية في الاردن.

هذا الفيديو الذي هو من كلماته مقدم كـ "هدية لقيادة السلطة الفلسطينية في يوم انتصارها الكبير في اعادة التنسيق الامني". الفيديو يستخدم كاستعارة لقطات من شهر آب 2018 لفلسطيني اجبر على تغيير اطار مثقوب لسيارة عسكرية كانت عالقة في غرب رام الله، حيث جنود السيارة لم ينجحوا في فعل ذلك بأنفسهم. المشبه بهم هم بالطبع اجهزة الامن الفلسطينية التي تخدم المحتل الاسرائيلي. الفيديو تم تقديمه كهدية "للذكرى الثانية لعملية تغيير الاطار". 

كان متوقعا تماما أن يأمر عباس باستئناف التنسيق الامني في هذه المرحلة أو تلك. المناكفات المتسلسلة مع اسرائيل واجهزتها الامنية والقمعية – ومن ثم استئناف العلاقات العلنية معها – هي تكتيك آخر للبقاء أو للحفاظ على صورة قيادة وطنية ذات رؤيا. ومثل الاحاديث المتسلسلة عن انتخابات وعن مصالحة مع حماس هي تخلق خطاب مصطنع ومضلل للتغيير والتجدد والتقدم والصمود. هذا الخطاب يحاول طمس تجذر واقع الجيوب الفلسطينية المنفصلة الحالية وغياب استراتيجية لها من اجل تغييرها.

المناكفات والثمن الباهظ الذي يطلب من الجمهور الفلسطيني دفعه، ومن ثم "السلام" الذي يخفف قليلا على الجمهور، تخلق عرض مزيف لنشاط القيادة الفلسطينية. ولكن هذه هي دورات يائسة لدواليب تراوح في المكان، حتى في فترة الاحتلال المباشر قبل وجود السلطة، الاقتصاد الفلسطيني والقدرة على كسب الرزق لسكان المناطق كان يخضع لاملاءات وسياسة اسرائيل. الآن، من اجل أن يواصل الاقتصاد القدرة على كسب الرزق والسير في خط الحد الادنى فان السلطة الفلسطينية ملزمة بأن تدفع لاسرائيل بعملة التنسيق الامني المكروه.

المشكلة الآن ليست في استئناف التنسيق الامني أو استئناف التنسيق المدني الذي يسمح بدفع الرواتب كاملة وفي وقتها، بل المشكلة هي في الكذب الصارخ عن "انتصار" يحاول كبار قادة فتح بيعه للجمهور. الكذب هو استخفاف بالعقل السليم واستهزاء بالجمهور. وتعهد أبو ركن كتب كرد على رسالة حسين الشيخ، الموقعة في 7 تشرين الاول، مثلما اشار هو نفسه لذلك.

الموقع الاخباري الفلسطيني في غزة "سما" نشر الرسالة التي كتب فيها "اسرائيل سبق واعلنت في الماضي أن الاتفاقات الثنائية الاسرائيلية – الفلسطينية تواصل كونها الاطار القانوني الذي يوجه الطرفين في الشؤون المالية والشؤون الاخرى. لذلك، حسب هذه الاتفاقات تواصل اسرائيل جباية الضرائب لصالح السلطة الفلسطينية. وللاسف الشديد، السلطة الفلسطينية هي التي قررت عدم تسلم اموال الضرائب التي جبتها اسرائيل".

ربما يكون التطرق للاموال التي لم يتم تحويلها مكرس لوسيطة السلام الحالي، دولة النرويج، مهد اتفاق اوسلو، التي بصفتها ممثلة الدول المانحة، قلقة من الوضع الاقتصادي المتدهور للفلسطينيين. ولكن هل حقا، بعد 25 سنة، عباس والشيخ يمكنهما مباركة الاتفاقات التي يعتبرها أبو ركن "اطار قانوني"؟

صباح أول أمس، قبل الاعلان عن استئناف التنسيق الامني، كان موظفو الادارة المدنية (التابعة لمكتب منسق اعمال الحكومة في المناطق) نشيطون جدا في شمال غور الاردن، حيث قاموا بهدم كوخ للاستخدام الزراعي في قرية خربة عاطوف؛ وواصلوا الى قرية فروش بيت دجن وهدموا بركة ماء زراعية، ومن هناك الى خربة أم الجمال حيث قاموا هناك بتفكيك خيمة من الخشب اقامها نشطاء اجتماعيون، وفي نهاية المطاف وصلوا الى قرية الفارسية، حيث هدموا وصادروا هناك كرفان تعيش فيه عائلة مكونة من ثلاثة اشخاص وهدموا مبنى للخدمات ودمروا صهريج للمياه.

نشاطات الهدم والمصادرة هذه في غور الاردن تحولت الى حدث يومي واستهدفت منع الفلسطينيين من مواصلة العيش فيها والسماح بتوسيع المستوطنات عليها. وحسب منسق اعمال الحكومة في المناطق فان هذه النشاطات هي قانونية وطبقا للاتفاقيات. وحسب التفسير اليميني للمنسق لهذه الاتفاقات فان مناطق ج هي اراضي اسرائيلية.

الاتفاقات، التي يبارك عليها الشيخ، هي مادة في أيدي اسرائيل. وهي كدولة عظمى عسكريا واقتصاديا تستخدمها كاطار قانوني لإملاء اتفاق استسلام على الفلسطينيين. ليس مخجلا أن تكون العنصر الضعيف والمخدوع، لكن من المخجل أكثر ومن الخطأ السياسي خداع شعبك ونفسك.

هآرتس- 19/11/2020

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب