news-details

قطيع المصوتين نصف أميركا | سيفر فلوتسكر

يديعوت أحرنوت- 5/11/2020

في ساعة كتابة هذه السطور لا تزال تحصى اصوات مصوتي أميركا والقلب لا يزال يتفطر. هذه الدولة الرائعة بقيت على قيد الحياة كيفما اتفق فاجتازت سنوات ترامب. وهذه شهادة مشجعة على حصانتها. ليس مؤكدا انها تنجو، أو كانت ستنجو، أربع سنوات اخرى تحت رئاسته

في ساعة كتابة هذه السطور لم يكن أعلن بعد المنتصر في الانتخابات للرئاسة الأميركية ولكن المهزوم بات واضحا: العلم هُزم. قوة العقل هُزمت والكذب اثبت بان قوته عظيمة في متنه.

حتى لو أُعلن هذا الصباح المرشح الديمقراطي نائب الرئيس السابق جو بايدين، كالرئيس التالي للولايات المتحدة، فان الانتصار طفيف جدا، الاستطلاعات لم تتوقع سباقا على هذا القدر من التلاصق، ومرة اخرى اخطأت جدا – وأنا اخطأت معها حين اقتنعت بان المستطلعين تعلموا الدرس من الاخفاقات السابقة، استوعبوا التقصيرات وغرسوا التعديلات في اساليب الجمع والتحليل للمعطيات.

هذه المرة الخطأ أليم على نحو خاص لان ترامب لم يعد مثابة مفاجأة، ولا بايدن ايضا. مزاياهما، نواقصهما وقوة جذبهما في جمهور المصوتين المختلفين كانت معروفة. وعلى الرغم من ذلك، اخفقت الاستطلاعات. علم الاستطلاعات اخفق، ربما لانه يُسأل الكثيرون ممن يكذبون في أجوبتهم، يكذبون بوقاحة. وقد تعلموا هذا من الزعيم.

ولكن فشل المستطلعين، الذي سيمس مسا شديدا بمكانتهم، لا يعد شيئا امام الضربة التي تلقاها في الانتخابات الأميركية الفكر العلمي القائم على اساس الحقائق والبحوث. فكيفما حللنا نتائج التصويت، فبالصلة بوباء الكورونا تبين بان نحو 50 في المئة من ناخبي أميركا، زائد – ناقص نسب قليلة، يفضلون الثقة بطبيب الصنم وناشر الاكاذيب الدائم دونالد ترامب وليس بأسرة العلوم والطب. يفضلون ان يطير عقلهم باعلانات عديمة اي ذرة من اساس علمي على نمط "الكورونا اختفى".

"الفيروس الصيني دمر"، "فقط الولايات التي تحت حكم الديمقراطيين لا تزال تعاني من الاصابة العالية"، وذروة الذرى: "الكمامة هي للأغبياء ولعديمي الشخصية". كل هذه اقتباسات من الخطابات العقيمة التي اطلقها ترامب في مهرجاناته الانتخابية الى جانب اقوال مثل "بايدن سيحشركم في بيوتكم وسيفرض الشيوعية في أميركا".

بذات النجاح كان يمكن لترامب على ما يبدو ان يهتف بان كائنات فضائية اختبأت في صورة رؤساء الحزب الديمقراطي وجاءت الان للشروع في صيد جماعي للساحرات – وعشرات ملايين "ناخبيه" كانوا يسيرون وراءه كالمخدرين. كان يخيل أن الانتخابات الأميركية تجرى في دولة عالم رابع في ايام ظلماء تتنكر للايدز. واتساءل هل كان يمكن لترامب ان يجرف وراءه نصف أميركا حتى لو ادعى بان الكرة الارضية مسطحة وان فكرة انها مدورة جاءت لتخدم النخبة الديمقراطية. معقول ان نعم.

وهذا يحصل في دولة توجد لها المراكز الطبية الاكثر تقدما في العالم وكليات الطب المتميزة في العالم والجامعات الرائدة في العالم ونسبة اصحاب التعليم العالي الاعلى في العالم. وفي دولة اعطت للانسانية لينكولين واديسون وغيتس واجترفت جوائز نوبل اكثر من كل باقي العالم معا. والان ترامب.

اعترف، ليس لدي تفسير يريد العقل بهذه الظاهرة المقلقة والمخيبة. ظاهرا، يقف ترامب في صف واحد مع مسيرة غير قصيرة من رؤساء دول يشبهونه في اسلوب الحديث العنيف، في السلوك الشعبوي الفظ امام المواطنين وبالحب الذاتي بلا كوابح. ومع ذلك توجد فوارق.

ترامب بجهله يتفوق على الجميع، من بوتين الروسي وحتى نتنياهو الاسرائيلي، وبحجوم كبيرة. بلا رتوش يحتقر النساء، الاقليات، المحتجين، العاطلين عن العمل، قادة الجيش والاستخبارات، عباقرة التكنولوجيا العليا، ومؤخرا على نحو خاص رجال العلم والادب. ان حقيقة أن ربع مليون أميركي توفوا بالكورونا ومئات الالاف تبقوا عميقا في المرض لا تحرك ساكنا لديه.

ثمة من يدعي بان ناخبي ترامب – كما أسلفنا، نصف أميركا – تغلبوا على نفورهم من شخصيته ومن مسرحياته وتجاهلوا تيار اكاذيبه عن الكورونا، اسبابها وقوتها، لان وضع الاقتصاد الأميركي ممتاز، استثنائي في العالم. ليس صحيحا: في الاشهر التسعة الاولى من العام 2020 لم يكن للاقتصاد الأميركي اداء افضل من الاقتصاد الاوروبي (واسوأ جدا من الاقتصاد الصيني) – لا في النمو، لا في العمالة، لا في العجوزات، لا في الديون ولا في المنظور الى المستقبل. وحده اداء البورصة النيويوركية يفوق اداء البورصات الاخرى. ليس بفضل ترامب – رغما عن ترامب.

في ساعة كتابة هذه السطور لا تزال تحصى اصوات مصوتي أميركا والقلب لا يزال يتفطر. هذه الدولة الرائعة بقيت على قيد الحياة كيفما اتفق فاجتازت سنوات ترامب. وهذه شهادة مشجعة على حصانتها. ليس مؤكدا انها تنجو، أو كانت ستنجو، أربع سنوات اخرى تحت رئاسته.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب