news-details

من الذي يهمه أصلا ماهر الاخرس

هآرتس- 6/11/2020

*المضرب عن الطعام يطيل فترة معاناته وموته على أمل أن يهب شخص ما أو جهة ما لانقاذه والاستجابة لمطالبه. ولكن الضمير الاسرائيلي لا يوقظه الموت البطيء والمؤلم لفلسطيني لأنه بالنسبة له الفلسطيني سبق ومات*

عندما يقرر شخص الاضراب عن الطعام احتجاجا فانه يؤمن كما يبدو بأن احتمالية أن يموت ستكون قاسية على ضمائر الآخرين. وعندما يقرر شخص ما تجويع نفسه حتى الموت احتجاجا فانه يفعل ذلك، على الأرجح، من اجل اعطاء الآخرين الوقت والفرصة لوقفه. ولو أراد الشخص فقط أن يموت احتجاجا لكان سيقوم بالانتحار مرة واحدة، ولا يمد الانتحار على طول اشهر طويلة.

المضرب عن الطعام ينتحر بعملية بطيئة لأنه يؤمن بأن شخص ما سيهب لمساعدته ويفعل ما هو مطلوب من اجل أن يوقف قتل نفسه. المضرب عن الطعام يؤمن بأن أحد ما في هذا العالم لا يمكنه احتمال التفكير بأن يموت، وأن هذا الشخص، أو الاشخاص الذين يهمهم هذا الامر، سيجرون التغيير الذي يطالب به المضرب عن الطعام في احتجاجه.

المعتقل الاداري الفلسطيني ماهر الاخرس مضرب عن الطعام منذ اكثر من مئة يوم احتجاجا على اعتقاله بدون محاكمة. وهو يصمم على مواصلة الاضراب حتى إطلاق سراحه أو موته، من سيأتي أولا. ولكن لو حاكمنا الامور حسب تعامل الدولة ورد المحكمة العليا على الالتماس المقدم لإطلاق سراحه، والصدى الجماهيري الضعيف على اعتقاله وجوعه البطيء، يبدو أنه في المنافسة على مصير الاخرس فان الموت في وضع افضل.

إن توقع الاخرس بأن الجهاز القوي لحقوق الانسان في اسرائيل وفي العالم سيعمل على إطلاق سراحه، ظهر لي فجأة أنه مأخوذ من عالم آخر، من حقبة اخرى. فعليا، تقريبا كل ما يتعلق بحياة الاخرس يبدو وكأنه مأخوذ من كتاب للتاريخ وصف نهاية القرن العشرين. الاخرس كان يبدو لي فجأة كمن يقف في الجانب الثاني من الصدع الذي قسم قارتنا الى قسمين، أو بالأحرى – كمن هو موجود في الجانب الآخر في صدع الزمن.

مطالبته من الانسانية بأن تخرج عن طورها من اجل أن توافق على أن لا يموت، بدت لي وكأنها مأخوذة من زمن آخر. أين يعيش؟ بالطبع الاجابة ساذجة. هو يعيش تحت حكم عسكري في المناطق المحتلة، في عالم قضائي موازي، في المكان الذي فيه اعتقالات ادارية والتعذيب والموت هي امور عادية. ولكن في أي زمن هو يعيش؟

إن ضمير اسرائيل لا يوقظه الموت البطيء والمؤلم لفلسطيني، لأن الفلسطيني سبق ومات بالنسبة لها. الفلسطيني الحي هو الاستثناء الذي ربما يوقظ الاسرائيليين. المجرمون يتعفنون في السجون ولا أحد يهتم بهم، لكن التفكير بأن تقبع بار رفائيلي في السجن كان أمرا غير محتمل. لأن وجود بار رفائيلي في السجن يعني انحرافا عن صورة من يقبعون في السجن.

ونفس الشيء بالنسبة للفلسطينيين، فعندما يموتون هم يفعلون ما يفعله الفلسطينيون في صورتهم لدى الاسرائيليين. وقد كان للاخرس فرصة اكبر ليمس قلوب الاسرائيليين لو أنه تنكر على شكل حبة فوشار، وغنى وهو يرتدي القناع.

فقط تخيلوا من يجلسون على المنصة في برنامج وهو يزأر "من هذا، من هذا، من هذا؟" قبل لحظة من رفعه للقناع، واوفيرا اسياغ تصرخ "أنت، أنا لا أصدق!، هذا هو الاخرس من الجهاد الاسلامي". هذا بالطبع هوس، فلا توجد احتمالية كهذه ولا توجد نية لتقديم استشارة استراتيجية لمعتقل اداري أو للنضال الفلسطيني.

لقد حدث شيء ما. المقدمة التاريخية تغيرت. دونالد ترامب هو ربما السبب أو النتيجة – تصعب معرفة ذلك، لكن ليس هناك شك في أن درجة حيوية كلمات ومفاهيم مثل حقوق الانسان، منظمات حقوق انسان، ممثلية الامم المتحدة، تآكلت بدرجة لا تصدق، حتى لو أن هذا لا يروق لنا. وبدلا من المشاهدة العبثية لشخص يدير مرة اخرى عجلة التاريخ، ليس هناك خيار سوى شق مسارات عمل جديدة. وإلا فان الطريقة الوحيدة للتحرر ستكون الموت، وجميعنا، حتى الفلسطينيين، نريد أن نعيش.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب